ذكاء اصطناعي

اضبط ساعتك على توقيت القمر… ناسا تمهّد لتوقيت زمني جديد بتوجيه أميركي

اضبط ساعتك على توقيت القمر… ناسا تمهّد لتوقيت زمني جديد بتوجيه أميركي
مجد الشيخ
مجد الشيخ

3 د

الوقت يمر أسرع على القمر بمقدار 58,7 ميكروثانية يومياً مقارنة بالأرض.

تعتزم ناسا إطلاق نظام توقيت جديد يسمى "زمن التنسيق القمري".

ستعتمد على ساعات ذرية متقدمة لتحديد وإنشاء المنطقة الزمنية القمرية.

يُعتبر هذا المشروع خطوة أساسية لتنظيم واستقرار العمليات الفضائية المستقبلية.

تخيل معي أنك تسافر إلى القمر وتفاجأ بأن ساعتك لم تعد تتطابق مع ساعة الأرض، وأن التوقيت الذي تعرفه لا معنى له هناك. هل تعرف لماذا؟ فالوقت يمر بشكل مختلف قليلاً على سطح القمر، وهذا التفصيل الصغير قد يؤدي إلى مشكلة كبيرة مع بدء البشرية مرحلة جديدة من استكشاف الفضاء. لذلك أخذت الولايات المتحدة بزمام المبادرة وقررت إنشاء أول توقيت رسمي للقمر.

ناسا، بتوجيه مباشر من البيت الأبيض، تعتزم إطلاق نظام توقيت جديد يسمى "زمن التنسيق القمري" أو اختصاراً (LTC). هذه الخطوة، التي قد تبدو بسيطة ظاهرياً، هدفها توحيد وتنظيم العمليات الفضائية المستقبلية وإنشاء معيار ثابت يمكن للجميع الاعتماد عليه في الملاحة والاتصالات والتشغيل الآلي للبعثات الفضائية القادمة. وبالطبع ستكون هذه القاعدة الزمنية بمثابة حجر الأساس للبنية التحتية المقبلة على سطح القمر.

لكن دعني أوضّح لك المسألة أكثر: المشكلة تتعلق بتأثير الجاذبية القمرية الأضعف مقارنة بالأرض. وفقاً لمكتب سياسة العلوم والتكنولوجيا التابع للبيت الأبيض، فإن الوقت يمر على القمر أسرع بمقدار 58.7 ميكروثانية يومياً مقارنة بالوقت الأرضي. ربما تبدو هذه الاختلافات بسيطة في حياتنا اليومية، إلا أنها قد تتسبب في مشاكل كارثية للملاحة الفضائية الدقيقة، التي تحتاج إلى دقة بالمليارات من الثانية، خصوصاً مع تزايد عدد المهمات المخطط لها نحو القمر في السنوات المقبلة.

ولكي نتخيل أهمية هذه الخطوة، يمكن تشبيه الموضوع بما يفعله مرصد البحرية الأمريكية على الأرض، الذي يمتلك ساعات ذرية من أعلى مستوى تمثل ما يشبه "نبض قلب" ينسّق ويسهّل كل شيء نستخدمه بشكل يومي من الاتصالات إلى تحديد الأماكن. يقول كيفن كوغينز، المسؤول عن الملاحة والاتصالات الفضائية في ناسا:


"على القمر أيضاً، سنحتاج لنبض موحّد واضح ومعتمد"

ولهذا السبب شرعت أمريكا منذ فترة قصيرة في استحداث "قانون توحيد الزمن في الفضاء"، والذي أعطى مهلة لناسا حتى نهاية عام 2026 لتحديد وإنشاء هذه المنطقة الزمنية القمرية الجديدة. الفكرة، باختصار، تكمن في الاستعانة بساعات ذرية متقدمة توضع في مدار القمر أو على سطحه، ثم إيجاد معدل زمني موحد يأخذ بعين الاعتبار هذه الفروقات الدقيقة الناتجة عن قوانين الفيزياء المرتبطة بالنسبية.

وأكد خبراء من البيت الأبيض أن غياب مثل هذا النظام قد يضر بشكل كبير بعمليات الاتصال الآمنة والدقيقة بين رواد الفضاء وأنظمة التحكم على الأرض، ما يجعل نقل البيانات وتنسيق المهمات الفضائية معقداً للغاية—وكأن لكل بلد توقيته الخاص على كوكبنا، ألا يسبب ذلك الفوضى؟

ذو صلة

ومن المثير حقاً أن هذه الخطوة لم تأت لسد حاجة البعثات القادمة نحو القمر فحسب، بل ستكون أيضاً بمثابة نموذج يمكن الاعتماد عليه في استحداث أنظمة توقيت مشابهة على المريخ وربما على كواكب وأجرام سماوية أخرى في المستقبل. هذا يعني أننا أمام مشروع لا يقل أهمية على المدى البعيد عن اختراع المناطق الزمنية التي ينظم بها عالمنا الأرضي اليوم.

وفي نهاية المطاف، بينما تتهيأ البشرية بأكثر من دولة وعديد من الشركات لتوسع وجودها على سطح القمر، سيساعد نظام "زمن التنسيق القمري" الجميع على أن يتوافقوا على إيقاع واحد. ربما من المفيد في الخاتمة أن نستبدل تعبيراً مثل "المنطقة الزمنية" بـ "المرجع الزمني القمري" للتأكيد على طبيعته المرجعية الدقيقة، وهذا يسلط الضوء بوضوح على الأهمية الفنية لهذا المشروع الرائد. في المحصلة، ذلك لم يعد مجرد مسألة وقت، بل مسألة مستقبل منظم تنتظر البشرية تحقيقه في أقرب فرصة.

ذو صلة