لأول مرة: أسنان خارج الفم لتثيبت الأنثى خلال التزاوج لدى أسماك الكيميرا

3 د
تعيش أسماك "الشبح"، الكايميرا، في أعماق البحار وتستخدم أسنان الجبين في التزاوج.
اكتشف العلماء أن جينات إنتاج أسنان الجبهة تشبه جينات إنتاج الأسنان التقليدية.
وظيفة "التيناكلوم" هي إمساك الإناث خلال التزاوج، وتخدم تكاثر الكايميرا بشكل ملحوظ.
يظهر البحث أن التكيف المحيطي يمكن أن يولّد أسنانًا خارج الفم لمهام جديدة.
أسنان الجبين تُعد نموذجاً للابتكار التطوري، وتكشف عن تنوع بيولوجي مذهل.
في أعماق البحار المظلمة، يعيش كائن غريب يُدعى "سمك الشبح" أو الكايميرا، لا يشاهده معظمنا إلا في أفلام الخيال. لكن مؤخرًا، أماط العلماء اللثام عن سر عجيب جديد؛ إذ اكتشفوا أن ذكور هذه الأسماك تطوّر صفوفًا من الأسنان الحادّة على مقدمة الرأس، خارج الفم تمامًا، وتستخدمها بشكل أساسي أثناء التزاوج. قد يبدو الأمر وكأنه من عالم الغرائب، لكنه حقيقة علمية مدعومة بدراسات جينية وفحص الحفريات.
بدأ فريق بحثي من جامعتي فلوريدا وواشنطن ومعهم علماء من جامعة شيكاغو تحقيقهم في هذا اللغز، بعدما لاحظوا وجود نتوء بارز يشبه القضيب يخرج من جبهة ذكور الكايميرا، مليء بأسنان صغيرة وقابلة للسحب. هذا النتوء المعروف باسم "تيناكلوم" أثار فضول العلماء حول تكوينه ووظيفته، خصوصًا وأنه يشبه صفوف أسنان القروش من ناحية الشكل والبنية.
وللتأكد من طبيعة هذا التركيب الفريد، لجأوا لدراسة حفريات عمرها أكثر من 300 مليون سنة، ولاحظوا أن التيناكلوم القديم كان مرتبطًا بالفك العلوي للسمكة ومكسوًا بأسنان شبيهة بتلك الموجودة داخل الفم. هذا الاكتشاف دفع الفريق لاختبار أسماك الكايميرا الحديثة باستخدام تقنيات التصوير المقطعي (CT scan) والتحليل الجيني، ليكتشفوا أن جينات إنتاج الأسنان النامية على جبهة السمكة هي نفسها المستخدمة لإنتاج الأسنان التقليدية داخل الفم.
وهذه النتائج أوضحت أمرًا مذهلًا حول تطور وتنوع الأسماك الغضروفية مثل القروش وأقاربها كـ"سمك الشبح". فهي قادرة على إنتاج أسنان حقيقية خارج الفم، بعكس القشور الشبيهة بالأسنان المنتشرة على جلد القروش، وهو ما يدل على ديناميكية غير مسبوقة في تطور وتوزيع الأسنان بين الأسماك. وهذا يقودنا لمعرفة أهمية هذه الأسنان غير التقليدية.
أسنان الجبين ودورها في التزاوج
لكن لماذا تحتاج سمكة الشبح لهذا السلاح السري على جبهتها؟ هنا يكمن الرابط مع دورة حياة وتكاثر هذا الكائن. تبيّن أن ذكور الكايميرا تستخدم التيناكلوم—بصفوف أسنانه الحادة—لإمساك الإناث خلال عملية التزاوج، وهو دور أشبه بوظيفة الفم عند القروش التي تلتهم أقرانها أثناء التزاوج لتثبيت الشريك. وتؤكد الدراسات أن هذه الأسنان الخارجية تطورت خصيصًا لتخدم هذا الهدف التناسلي، بما يعكس دهاء التطور البيولوجي وقدرته على ابتكار حلول غير متوقعة.
ويستمر الحديث عن هذه الديناميكية بالانتقال إلى صلب النقاش حول تطور الأسنان لدى الأسماك، وكيف يمكن لبنية جسمية أن تنتقل من وظيفة إلى أخرى بناءً على الحاجة. وهذا يطرح تساؤلات حول وجود تكيّفات مماثلة في كائنات بحرية أخرى ربما لم تُكتشف بعد.
استند العلماء في بحثهم إلى تقاطع بين التحليل الجزيئي وأبحاث الحفريات، فأكدت النتائج أن التيناكلوم ليس مجرد زائدة جلدية أو قشرة بل بنية سنية حقيقية. يصفها العلماء بأنها «بقايا تطورية»، إذ احتفظ الكايميرا منذ ملايين السنين بهذه الخاصية الفريدة التي جعلتها نموذجًا مذهلًا «للابتكار التطوري»—أي إعادة استخدام برامج النمو القديمة لبناء تراكيب جديدة حسب الحاجة.
الغرابة في هذه القصة أنها المرة الأولى التي يُكتشف فيها أسنان حقيقية تخرج خارج الفك عند الفقاريات، وهو اكتشاف قلب مفاهيم سابقة حول موقع وحدود تكون الأسنان عند الكائنات البحرية. ويشير هذا إلى أن أسرار تطور الفكين والأسنان لا تزال تخبئ المزيد من المفاجآت من أعماق المحيطات.
وفي تلخيص المشهد، تبيّن لنا قصة أسنان "سمك الشبح" الخارجة عن المألوف كيف يتلاعب التطور بمسارات بناء الجسم عند الكائنات، وكيف يمكن لبنية ابتدعت للفم أن تتكيف لتخدم أغراض التزاوج عبر ملايين السنين. ومن يدري؟ ربما في أعماق البحر تنتظرنا اكتشافات أغرب عن هذه الكائنات الغامضة لم تطأها أعين العلماء بعد.