علماء يكتشفون لغزًا جيولوجيًا مذهل مخفيًا تحت مياه المحيط المتجمد الشمالي يكشف أسرار الحياة البحرية العميقة
![](/_next/image?url=https%3A%2F%2Fcdn.arageek.com%2Fnews-magazine%2FRising-economics-2025-02-04T161150.618.png&w=3840&q=75)
3 د
كشف علماء المحيطات عن بركان طيني نادر في أعماق بحر بارنتس يُطلق سوائل غنية بالميثان، مما يجعله مصدرًا هامًا للحياة البحرية.
يتميز بركان بورياليس بقدرته على رفع درجات الحرارة المحيطة به، مما يخلق بيئة دافئة نسبيًا تدعم التنوع البيولوجي في المياه القطبية المتجمدة.
يعمل هذا التكوين الجيولوجي كمصدر مستدام للمواد المغذية، ما يجعله بؤرة بيئية هامة للكائنات البحرية في واحدة من أقسى البيئات على الأرض.
يفتح هذا الاكتشاف الباب أمام مزيد من الأبحاث حول تأثير هذه الأنظمة على توازن الميثان في المحيطات، وقد يساعد في الكشف عن أنظمة بيئية مماثلة على الكواكب والأقمار الأخرى.
في أعماق بحر بارنتس المتجمد، وعلى بعد 400 متر تحت سطح المياه الجليدية، توصل العلماء إلى اكتشاف جيولوجي غير متوقع قد يغير فهمنا للبيئة البحرية العميقة. فقد كشفت بعثة علمية قادتها جامعة القطب الشمالي النرويجية عام 2023 عن بركان طيني يُعرف باسم "بركان الطين بورياليس"، وهو تكوين جيولوجي نادر يطلق سوائل غنية بالميثان بدلاً من الحمم البركانية، ما يجعله نظامًا بيئيًا فريدًا في واحدة من أكثر البيئات قسوةً على وجه الأرض.
بركان في أعماق القطب الشمالي.. مصدر حياة غير متوقع
على عكس البراكين التقليدية التي تقذف الصخور المنصهرة، تتميز البراكين الطينية بانبعاث رواسب وغازات، بما في ذلك الميثان، الذي يشكل مصدرًا غذائيًا للمجتمعات الميكروبية التي تعيش في هذه البيئات القاسية. وقد أظهرت الصور عالية الدقة التي التقطتها مركبة REV Ocean ذات التحكم عن بعد أن الفوهة والقشرة البركانية لهذا البركان تؤوي حياة بحرية متنوعة، حيث توفر ملاذًا آمنًا لمجموعة من الكائنات التي تعتمد على المواد المغذية المنبعثة من البركان.
الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن هذا البركان الطيني يُعدل درجات الحرارة في المنطقة المحيطة به. فبينما تبقى حرارة قاع البحر القطبي عادة عند 4 درجات مئوية، تُظهر البيانات أن هذه الظاهرة البركانية ترفع درجة الحرارة إلى 11.5 درجة مئوية، مما يخلق بيئة أكثر ملاءمة لاستقرار الكائنات البحرية التي لا يمكنها العيش في المياه شديدة البرودة.
ملاذ للحياة البحرية في الظلام القطبي
يُعتقد عادةً أن البيئات البركانية تحت سطح البحر غير مضيافة للحياة، ولكن هذا الاكتشاف يثبت العكس، حيث تعمل الفوهات الطينية كبؤر للتنوع البيولوجي في أعماق البحار. فالغازات الغنية بالميثان توفر مصدرًا أساسياً للمواد المغذية التي تُغذي المستعمرات الميكروبية، والتي بدورها تدعم شبكة غذائية معقدة تشمل مجموعة متنوعة من الكائنات البحرية.
وقد وثّقت البعثة العلمية خلال استكشافها لسطح البركان وجود عدد كبير من المخلوقات البحرية التي تستفيد من الدفء والمواد الكيميائية المنبعثة من الفوهة البركانية، مما يجعلها بمثابة "واحة مخفية" في قاع البحر القطبي.
بركان طيني أم نافورة حياة؟
على عكس الفتحات الحرارية المائية التي تعتمد على الحرارة الجوفية القادمة من باطن الأرض، فإن البراكين الطينية تستمد طاقتها من الضغط الداخلي للغازات المحبوسة تحت القشرة الأرضية، مما يؤدي إلى إطلاق مستمر ومعتدل للسوائل الغنية بالمغذيات. هذا الاستقرار في إطلاق المواد الكيميائية قد يفسر سبب ازدهار الحياة حول بركان بورياليس، حيث يُشكل بيئة مستقرة تدعم تطور واستقرار الأنواع البحرية التي تكافح للبقاء في القطب الشمالي.
التأثير البيئي وأهمية الاكتشاف
إن أهمية هذا الاكتشاف تتجاوز حدود علم الأحياء البحرية، حيث يحمل هذا النظام البيئي الفريد آثارًا محتملة على فهمنا لدور أعماق المحيطات في تنظيم كميات غاز الميثان المنبعث من قاع البحر. فالميثان يُعتبر من أقوى الغازات الدفيئة، لكن بعض الدراسات تشير إلى أن الأنظمة البيئية العميقة مثل بركان بورياليس قد تساعد في احتجاز هذه الانبعاثات والتقليل من تأثيرها على تغير المناخ.
رحلة نحو المجهول.. ما التالي؟
ما زال هناك العديد من الأسئلة التي لم يُكشف عنها بعد حول بركان الطين بورياليس. كم من الوقت ظل هذا البركان نشطًا؟ ما هي الأنواع الفريدة التي تعيش هناك؟ وهل يمكن أن تكون هناك أنظمة بيئية مماثلة مختبئة في أعماق المحيط المتجمد الشمالي؟
كجزء من الجهود المستمرة لفهم هذه الظواهر، تخطط بعثات REV Ocean وOcean Census لمواصلة استكشاف هذه البيئات الغامضة باستخدام أحدث التقنيات مثل المركبات تحت الماء ذاتية التشغيل. الهدف من هذه الرحلات ليس فقط اكتشاف المزيد من التكوينات الجيولوجية المماثلة، بل أيضًا البحث في إمكانية وجود بيئات مماثلة في أماكن أخرى من الأرض أو حتى على كواكب وأقمار ذات محيطات جوفية، مثل قمر أوروبا التابع للمشتري وقمر إنسيلادوس التابع لزحل.
يعتبر هذا الاكتشاف بمثابة تذكير آخر بأن قاع المحيطات لا يزال مليئًا بالألغاز التي لم تُحل، وأن الحياة قادرة على الازدهار حتى في أكثر الأماكن قسوةً على كوكبنا.