ذكاء اصطناعي

الإنسان ليس من سلف واحد… علماء يكشفون أن أصولنا نتجت عن اندماج سلالتين قديمتين

الإنسان ليس من سلف واحد... علماء يكشفون أن أصولنا نتجت عن اندماج سلالتين قديمتين
فريق العمل
فريق العمل

3 د

وجدت دراسة جديدة أن الإنسان العاقل نتاج اندماج وراثي بين مجموعتين بشريتين منفصلتين.

حوالي 20% من المادة الوراثية للإنسان الحديث تأتي من مجموعة بشرية غامضة.

تتحدى الدراسة فكرة "الأنواع الشبحية" باكتشاف أن التزاوج كان رئيسيًا في تنوعنا الجيني.

لعبت الأحداث المناخية دورًا في الانفصال وإعادة التوحيد بين المجموعات البشرية.

عندما نفكر في قصة البشر وتاريخهم القديم، يحضر في أذهاننا غالباً هذا المشهد المعروف، مجموعة بسيطة من الأسلاف تنحدر منها البشرية جمعاء؛ غير أن هذه الصورة التقليدية أصبحت اليوم موضع شك. في بحث جديد مذهل، وجد العلماء أن نوعنا، الإنسان العاقل (Homo sapiens)، لم ينشأ من سلالة واحدة كما كنا نظن، بل هو نتاج اندماج وراثي قديم بين مجموعتين بشريتين منفصلتين. فما تفاصيل هذه الاكتشافات المدهشة؟

كشفت دراسة أجراها فريق دولي من الباحثين في جامعتي كامبريدج وويسكونسن-ماديسون أن جينات الإنسان الحديث تحمل بين طياتها آثاراً واضحة لتفاعل وراثي قديم تعود جذوره إلى حوالي 300 ألف سنة. وأظهرت الدراسة، التي نُشرت في مجلة  Nature العلمية المرموقة، أن الإنسان العاقل قد ورث حوالي 20% من مادته الوراثية من مجموعة بشرية غامضة انفصلت عن بقية البشر الأوائل قبل 1.5 مليون سنة تقريباً، قبل أن تندمج مجدداً عن طريق التزاوج والاختلاط الوراثي لاحقاً.

وهذا الربط بين أسلافنا القدماء يغير تماماً مفاهيمنا التقليدية عن شجرة التطور البشري، التي كانت تصور عادةً كتفرعات واضحة المعالم. وبدلاً عنها، بات العلماء يرون الصورة كشبكة معقدة من التفرعات والتشعبات التي كثيراً ما تجاوزت حدودها، وأنتجت مزيجاً وراثياً شديد التعقيد والثراء. الدكتور آرون راغسديل، الباحث المختص في الوراثة من جامعة ويسكونسن، يقول إن فكرة "الأنواع الشبحية" التي سادت لفترات طويلة—والتي تشير إلى مجموعات بشرية مجهولة اختلط بها البشر دون أن نمتلك أدلة أحفورية أو جينية واضحة عنها—أصبحت محل تساؤل الآن، معتبراً أن الانقسام المؤقت بين مجموعات بشرية ثم عودتها للاندماج مجدداً كافية لشرح التنوع الجيني الكبير الذي نشاهده اليوم بين البشر في شتى أنحاء العالم.

وهذا يقودنا للحديث عما حدث بالتحديد في أفريقيا، الموطن الأصلي للبشرية؛ فقد حددت الدراسة فترتين مهمتين من الاندماج الوراثي: الاندماج الأول وقع قبل حوالي 120 ألف عام تقريباً وأدى إلى ظهور سكان "الخويسان" بجنوب القارة، المعروفين اليوم بأعلى درجات التنوع الوراثي عالمياً. أما الاندماج الثاني، فقد وقع قبل 100 ألف عام تقريباً، وأدى في النهاية إلى تشكيل سكان شرق وغرب أفريقيا الحاليين، الذين خرج بعضهم لاحقاً من أفريقيا ليستوطن باقي القارات.

وقد بيّن الباحثون أن هذه الأحداث لم تأتي اعتباطاً، بل لعبت التغيرات المناخية الكبرى، بما في ذلك حدوث عصور جليدية وتغيرات بيئية قاسية، دوراً رئيسياً في فصل المجموعات البشرية ثم أعادة تجميعها لاحقاً. هكذا، ومع كل دورة من التفرق ثم التوحد، ازداد التعقيد الجيني وأصبحنا نحن البشر نملك هذا الإرث الوراثي الشديد التعقيد والتنوع.

ذو صلة

هذا النموذج الجديد من التفاعلات الوراثية يقدم رؤى مهمة بخصوص الأحافير البشرية الأفريقية التي جمعت بين صفات قديمة وحديثة في الوقت ذاته؛ إذ لم نعد بحاجة للبحث عن "نوع بشري شبح" ليشرح وجود تلك الصفات المختلطة. ويعكس هذا التفسير الجديد حقيقة مهمة، تقول إن البشر الأوائل لم يكونوا معزولين أبداً، بل كانوا في تواصل مستمر، اختلطت فيه الأنساب وتداخلت الصفات الوراثية عبر فترات طويلة.

في الواقع، يبدو التاريخ البشري القديم وكأنه محادثة طويلة بين مجموعات منفصلة جمعتها ظروف المناخ والبيئة مرة أخرى لتنسج قصة مشتركة وتمنحنا المزيج الوراثي الذي نمتلكه اليوم. ولعل استبدال مصطلح "شجرة التطور" بشبكة أو نسيج معقد سيساعدنا في فهم أفضل لقصتنا الإنسانية الغنية بالتنوع والاختلاف والتواصل. مع هذه الأبحاث الجديدة، يبدو أننا أمام عهد جديد لاكتشاف جذورنا، فمن يدري ما الذي سيكشفه العلم مستقبلاً عن ماضينا البعيد؟

ذو صلة