بانجيا تعود: خريطة للأرض بعد 250 مليون عام تكشف عن رابحين وخاسرين

3 د
يتوقع العلماء اندماج القارات في قارة واحدة تُدعى "بانجيا ألتيما" خلال 250 مليون سنة.
قد تصبح فرنسا أقرب إلى القطب الشمالي، وتجاور دول شمال إفريقيا بعد اختفاء المتوسط.
ستُسبب التغيرات الجيولوجية مناخًا عدائيًا قد يؤدي إلى انقراض جماعي للثدييات.
قد تكون المناطق الشمالية مثل شمال فرنسا والبرتغال الملاذات الأخيرة الممكنة للحياة على الكوكب.
في رؤيا جيولوجية مذهلة لمستقبل الأرض، يتوقع العلماء أن تعود القارات المتفرقة اليوم لتندمج من جديد في قارة عملاقة واحدة تُعرف باسم "بانجيا ألتيما" خلال 250 مليون عام، في تكرار لدورة كونية شهدها الكوكب من قبل. ومع أن هذا المشهد يبدو بعيدًا للغاية عن واقعنا الحالي، إلا أن آثاره المستقبلية المحتملة – من تغييرات مناخية جذرية إلى إعادة رسم الجغرافيا العالمية – تطرح تساؤلات مصيرية عن قابلية الكوكب للحياة في ذلك الزمن السحيق.
بانجيا… من التفكك إلى إعادة التوحيد
قبل نحو 200 مليون عام، كانت القارات الحالية متحدة ضمن قارة واحدة تُدعى "بانجيا". لكن بفعل حركة الصفائح التكتونية، بدأت هذه القارة بالانقسام تدريجياً، مما أدى إلى تشكُّل المشهد الجغرافي الذي نعرفه اليوم. غير أن هذه الديناميكية الجيولوجية لم تتوقف، بل لا تزال الصفائح الأرضية في حركة دائمة: تتصادم، وتنزلق، وتبتعد، وتعيد التشكّل.
العالِم الجغرافي كريستوفر سكوتيس، مبتكر مشروع PALEOMAP، يرى أن هذه الحركة المستمرة ستقود حتماً إلى اندماج جديد بين القارات. ووفقاً لنماذج المشروع، فإن المحيط الأطلسي سيختفي، بعدما تندمج الأمريكيتان مع أوروبا وإفريقيا، في حين سيتحول المحيط الهندي إلى بحر داخلي تحيط به الأراضي الجديدة.
فرنسا على حدود القطب الشمالي
في هذا السيناريو المستقبلي، تجد فرنسا نفسها في موقع جغرافي جديد تمامًا، أقرب إلى القطب الشمالي. وستجاورها إسبانيا وإيطاليا من الجنوب، ودول شمال إفريقيا مثل المغرب والجزائر وتونس، بفعل اندفاع القارة الإفريقية شمالًا واختفاء البحر الأبيض المتوسط.
ليس ذلك فحسب، بل تشير النماذج إلى تغييرات جذرية أخرى: كوبا ستلتحم بالأراضي الأمريكية، كوريا ستُحاصر بين الصين واليابان، وغرينلاند ستتصل بكندا. خريطة العالم كما نعرفها اليوم ستُعاد صياغتها بالكامل.
مناخ عدائي ينذر بانقراض جديد
لكن في قلب هذا المشهد الجيولوجي المثير، يكمن خطر داهم. فقد حذّرت دراسة نُشرت في مجلة Nature من احتمال حدوث انقراض جماعي للثدييات، بسبب ظروف مناخية شديدة القسوة. وتشير المحاكاة المناخية إلى أن درجات الحرارة قد تتجاوز 40 درجة مئوية في معظم أنحاء القارة العملاقة، مع ارتفاع في تركيز ثاني أكسيد الكربون إلى ضعفي مستوياته الحالية.
ويرجع ذلك إلى النشاط البركاني العنيف الناتج عن تصادم الصفائح، إضافة إلى زيادة طفيفة في إشعاع الشمس بنسبة 2.5% تقريبًا، مما سيُسهم في تسخين الكوكب وتحويله إلى بيئة أكثر جفافًا وأقل ملاءمة للحياة.
الشمال... ملاذ أخير للنجاة
رغم سوداوية المشهد، لا تزال هناك بارقة أمل. فالمناطق القريبة من الدائرة القطبية الشمالية، مثل شمال فرنسا والمملكة المتحدة والبرتغال، قد تُصبح ملاذًا مناخيًا محتملًا. إذ يُتوقع أن تتمتع هذه المناطق بدرجات حرارة أكثر اعتدالاً، ومصادر مياه أكثر استقرارًا، مما يمنحها ميزة نسبية في ظل المناخ الجديد.
وقد يُعيد هذا التحوّل الجغرافي ترتيب موازين التوزيع السكاني والموارد، ويجعل من بعض البلدان، التي تعتبر اليوم ذات مناخ معتدل، مناطق استراتيجية للبقاء.
التاريخ يعيد نفسه... لكن بثمن أكبر
اللافت أن تكوّن قارة عملاقة ليس حدثًا استثنائيًا في تاريخ الأرض، بل هو جزء من دورة جيولوجية متكررة عُرفت سابقًا بقارات مثل "رودينيا" و"بانجيا". وهناك نماذج علمية بديلة مثل أوريكا ونوفوبانجيا وأماسيا تقترح سيناريوهات مختلفة لاندماج القارات، لكنها تتفق جميعًا على النتيجة الأساسية: كوكب الأرض في تغيّر دائم، وحدودنا الحالية ليست سوى لحظة عابرة في كتاب الزمن الجيولوجي.