بعد 300 عام من الفهم الخاطئ.. قانون نيوتن الأول ليس كما درسناه في المدرسة!!

3 د
القانون الأول لنيوتن ربما أُسيء فهمه بسبب خطأ في الترجمة.
غيّر التفسير الخاطئ لكلمة "quatenus" فهم مفهوم القصور الذاتي.
يرى الباحثون أهمية اكتشاف هذا الخطأ لفهم أعمق لقوانين نيوتن.
تلقي هذه الترجمة الضوء على عقلية نيوتن وكيف غيّرت نظرته للكون.
منذ ثلاثمائة عام تقريبا، وضع العالم إسحاق نيوتن أسس قوانين الحركة التي تعلمناها جميعا في المدرسة، وهي المبادئ التي شكّلت ثورة في الفيزياء وغيَّرت نظرتنا للعالم. اليوم، وبعد هذا الوقت الطويل، تبيّن أن إحدى الكلمات الصغيرة في ترجمة قانون نيوتن الأول ربما أُسيء فهمها طوال هذه السنوات، ما يفتح باب الجدل من جديد حول ما أراد نيوتن إيصاله بدقة من خلال فكرته.
ترتبط القضية تحديدا بمصطلح "القُصور الذاتي"، وهو المفهوم الذي ندرسه جميعا بخلاف حوله؛ عندما نتعلم أن الجسم يظل متحركا في خط مستقيم أو ساكنا، ما لم تؤثر عليه قوة خارجية. لكن الفيلسوف والباحث الأكاديمي دانيال هوك، المتخصص في فلسفة اللغة والرياضيات في جامعة فيرجينيا للتكنولوجيا، لاحظ خطأ لغويا بسيطا وعميقا في الوقت نفسه؛ إذ اكتشف أن الترجمة الإنجليزية الأصلية لقانون نيوتن الأول من النص اللاتيني المنشور عام 1729 قد شوّهت المعنى الدقيق لكلمات العالم الشهير.
الترجمة الخاطئة حدثت تحديدا في كلمة واحدة هي "quatenus"، وترجمتها الصحيحة هي "بقدر ما" أو "طالما" (insofar)، ولكنها ترجمت في الأصل بشكل خاطئ إلى "ما لم" (unless)، وهذا الفرق البسيط غيَّر فهم الأجيال لهذا القانون. فبدلا من الإقرار بأن الجسم يتحرك أو يبقى ثابتا "طالما لم تؤثر عليه قوة"، يصبح المعنى أوضح وأدق هكذا: "كل تغيّر يطرأ على حركة الجسم من تباطؤ أو تسارع، أو تغير باتجاه حركته، يجب أن يكون مرده إلى قوة خارجية تؤثر فيه".
هذا الاختلاف ليس نظريا فقط؛ بل يجعل القانون قريبا جدا من الواقع التجريبي. فبدلا من تصوير القانون كحالة افتراضية لجسم في فراغ مطلق خالٍ من الاحتكاك أو الجاذبية (والتي هي ظروف يستحيل تحقيقها عمليا على أرض الواقع)، جاء نيوتن ليشرح بوضوح أننا نعيش في واقع القوى المؤثرة باستمرار، تماما مثلما يدور "البلبل" أو "النحلة" الدوارة مع هواء احتكاك يحيط بها. وبالفعل، فإن من بين الأمثلة التي ذكرها نيوتن بنفسه وشرح بها قانونه، كان مثال لعبة البلبل التي تتباطأ تدريجيا بسبب الاحتكاك مع الهواء.
ويؤكد خبراء في فلسفة العلم، مثل جورج سميث من جامعة تافتس، أهمية هذا الاكتشاف، مؤكدين أن الفكرة التي أراد نيوتن إيصالها هي أن تأثير القوى الخارجية أمر واقع لا مفر منه، وليس مجرد حالة استثنائية. هذا يجعلنا نعيد فهم مغزى القانون بشكل أعمق، حيث يشير بوضوح إلى أننا نعيش في كون مليء بالقوى التي تؤثر باستمرار في كل حركة نشاهدها، بدءا من الأجرام السماوية البعيدة إلى الأشياء البسيطة حولنا.
وبالرغم من اقتناع الكثير من الخبراء مثل سميث وهوك بأهمية هذا التصحيح، يبدو أن هناك مقاومة لهذا الفهم الجديد. حيث يقول هوك: "البعض اعتبر تفسيراتي جريئة وغير تقليدية بحيث يصعب قبولها، بينما آخرون رأوها صحيحة للدرجة التي لا تستحق النقاش". ومن المرجح أن يعاني هذا التفسير الجديد في فرض نفسه، نظراً لسطوة أفكار ترسخت عبر أجيال وعلى مدى قرون.
ورغم أن هذا التصحيح لترجمة كلمة واحدة قد لا يغيّر من قواعد الفيزياء باعتراف هوك نفسه، فإنه يمثل إضاءة مهمة على ما كان نيوتن يفكر فيه فعلا. ويوضح هوك أن أهمية الأمر تكمن في أنه يوضح لنا نقطة أساسية، وهي أن قوانين الطبيعة المهيمنة على الأشياء من حولنا وعلى حركة الأجرام السماوية واحدة لا تتغير. التدقيق في هذه التفاصيل الدقيقة يسمح لنا بإعادة فهم عمق قوانين نيوتن، ويشعرنا كما يقول هوك "بأننا جزء من كون تربطه قوانين موحدة، من الذرات الدقيقة على الأرض إلى المجرات الكبرى في الكون".
ربما هي مجرّد كلمة واحدة بسيطة، لكنها تعطينا لمحة ساحرة عن العقلية الفذّة لعالِم غيَّر فهمنا للكون من حولنا. ولعلنا بإعادة التدقيق في الترجمات السابقة والعودة للنصوص الأصلية بشكل أوضح، نفتح آفاقا جديدة من التفاهم لما كتبه رواد الأدب العلمي قديما، لنقترب من فك طلاسم الأفكار التي ما زالت تلهم البشرية حتى اليوم.