ذكاء اصطناعي

وداعًا لجواهر المحيط… ضحايا جديدة لجنون المناخ

وداعًا لجواهر المحيط… ضحايا جديدة لجنون المناخ
فريق العمل
فريق العمل

4 د

من المتوقع أن تنهار 90% من الشعاب المرجانية عند ارتفاع حرارة الأرض بـ1,5 درجة مئوية، و99% عند درجتين.

قد تتحول الشعاب المتبقية  إلى بيئات مختلفة تهيمن عليها كائنات بسيطة مثل الإسفنجيات والشعاب اللينة.

مليار شخص حول العالم مهددون بخسارة الغذاء والحماية والدخل المرتبط بالشعاب المرجانية.

رغم التهديد الوجودي، الأمل قائم عبر الأبحاث والترميم وإجراءات خفض الكربون والحد من التلوث.

في عالم يُهدّده الاحتباس الحراري المتسارع، يبدو مصير الشعاب المرجانية وقد كُتب عليه الفناء بدرجة من اليقين نادراً ما تُسجّل في علم المناخ. فعند ارتفاع حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية فقط فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، يتوقع العلماء أن غالبية الشعاب المرجانية ستفنى. والخبر الأسوأ؟ هذا السيناريو الكارثي ليس بعيداً عن الحدوث، بل يُرجّح أن يتحقق في غضون عقد واحد فقط.


الشعاب المرجانية: ضحية التغير المناخي الأولى

الشعاب المرجانية، بتعقيدها البيئي ودورها الحيوي، تُعد من أكثر الأنظمة البيئية هشاشة في مواجهة التغير المناخي. ومع ارتفاع درجات حرارة المحيطات، تدخل الشعاب في حالة من "التبيّض"، إذ تطرد الطحالب الدقيقة التي تمنحها اللون والغذاء. من دون هذه الطحالب، تبدأ الشعاب بالجوع والموت التدريجي.

ووفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، فإن نسبة ما بين 70% إلى 90% من الشعاب المرجانية ستنهار عند الوصول إلى عتبة 1.5 درجة مئوية من الاحترار. وإذا تجاوز العالم درجتين مئويتين، فإن النسبة سترتفع إلى 99%، ما يعني فعلياً نهاية هذا النظام البيئي كما نعرفه.


صدمة العلماء: صمت علمي أمام الكارثة الوشيكة

يقول ديفيد أوبورا، رئيس الفريق العلمي التابع لمنصة الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي (IPBES) ومؤسس مركز أبحاث "كورديو" في شرق إفريقيا، إن:


"علينا أن نتقبل الواقع، لا أن نتمسك بالماضي". ويضيف: "ليس من التشاؤم أن نتخيل عالماً بلا شعاب مرجانية، بل هو سؤال وجودي بدأ العلماء بالكاد بمواجهته".

لكن القبول بهذا السيناريو لا يزال صعبًا على الكثير من المتخصصين. ميلاني ماكفيلد، الخبيرة في الشعاب المرجانية في منطقة الكاريبي، وصفت ما يشعر به العلماء بأنه "متلازمة ما قبل الصدمة"، إذ أن مجرد تصور زوال جميع الشعاب يصيبهم بالشلل.


إلى ماذا تتحوّل الشعاب المرجانية حين تموت؟

على الرغم من أن الشعاب المرجانية قد لا تختفي تمامًا، فإنّ ما سيبقى منها سيكون مختلفًا جذريًا. فالشعاب الصلبة، التي تُشكل العصب الهيكلي للنظام البيئي، ستفقد قدرتها على النمو، تاركة خلفها هياكل بيضاء ميتة. ومع الوقت، ستكسوها الطحالب وتغزوها كائنات أبسط، مثل الإسفنجيات والرخويات والشعاب اللينة.

توم داليسون، مستشار استراتيجي للمبادرة الدولية لحماية الشعاب المرجانية، يرى أن:


"الكائنات التي ستنجو من الحرارة هي الاستثناء لا القاعدة"

وهذا في إشارة إلى انهيار التوازن البيولوجي الحالي. ومع تزايد حموضة المحيطات، ستتآكل هذه الهياكل المرجانية وتتحول إلى ركام عديم الحياة.

ومع أن هذه الشعاب المتحولة قد تستمر في تقديم بعض الخدمات البيئية، إلا أن الفقدان سيكون هائلًا. فربع الحياة البحرية في العالم يعتمد على الشعاب المرجانية، من أسماك ملونة إلى كائنات دقيقة تؤدي أدوارًا لا غنى عنها في النظام البيئي.


مليار إنسان في خطر

يتجاوز أثر انهيار الشعاب المرجانية حدود البيئة ليصل إلى الإنسان مباشرة. إذ يعتمد ما يقارب مليار شخص حول العالم على الشعاب المرجانية في الغذاء، والسياحة، والحماية من الأعاصير وتآكل السواحل. وبدونها، ستتضرر سبل عيشهم، وستفقد مجتمعات ساحلية بأكملها خط الدفاع الأول ضد التغير المناخي.

ومع ذلك، يرى أوبورا أنه يمكن الحفاظ على جزء من هذه الفوائد، إذا ما أُديرت هذه "الشعاب المتحوّلة" بعناية، لتبقى بيئات صحية ومنتجة، حتى وإن لم تعد بالثراء الحيوي الذي عُرفت به.


البحث العلمي: محاولات متأخرة وخجولة

حتى الآن، لم يُخصّص ما يكفي من الأبحاث العلمية لاستكشاف ما بعد الشعاب المرجانية. فالجهود البحثية ما زالت تركّز على حماية الشعاب المتبقية وتحسين مقاومتها للمناخ عبر وسائل ابتكارية، مثل اختيار أنواع مرجانية أكثر تحملاً للحرارة.

وفيما يساهم التغير المناخي في تسريع انهيار الشعاب، ثمة عوامل بشرية أخرى تُفاقم المشكلة: التلوث، الصيد الجائر، والدعم الحكومي للأنشطة الضارة. ويؤكد أوبورا أن معالجة هذه الأسباب تمنح الشعاب الباقية "أفضل فرصة ممكنة للبقاء".


المعركة الأصعب: انبعاثات الكربون

يحذر جان بيير غاتوسو، عالم المحيطات الفرنسي في المركز الوطني للبحوث العلمية (CNRS)، من أن


"إنقاذ الشعاب المرجانية سيكون شبه مستحيل ما دمنا نواصل ضخ الكربون في الجو".

ومع ذلك، لا يزال هناك بصيص أمل؛ بعض الشعاب أظهرت قدرة محدودة على تحمّل درجات الحرارة المرتفعة، ما يُشجع على الاستثمار في ترميم المناطق الصغيرة باستخدام هذه الأنواع المقاومة.


شعاع أمل في ظلال الانهيار

رغم القتامة التي تُخيّم على مستقبل الشعاب المرجانية، يرى بعض العلماء أن من واجبهم ألا يستسلموا. يقول داليسون:

ذو صلة

"كيف نعمل في مجال نعرف أن نهايته ستكون قاتمة؟ الجواب هو أن نحاول جعل هذا المستقبل القاتم أقل ظلمة".

قد لا نتمكن من إنقاذ الشعاب المرجانية كما نعرفها، لكن ما زال بوسعنا إنقاذ ما تبقى، وإعادة تعريف علاقتنا بها، وتعلُّم كيف نعيش في عالم من دونها... أو في عالم ما بعدها.

ذو صلة