البعوض العدو اللدود للبشر قد يصبح مفتاحًا لإنقاذ الأرواح بفضل قرونه!

3 د
لا يعتمد البعوض على الأذنين في السمع، بل يستخدم قرون استشعار فائقة الحساسية لالتقاط الأصوات.
كشفت دراسة علمية حديثة أن هذه التقنية يمكن أن تُلهم تطوير أجهزة إلغاء الضوضاء عالية الكفاءة.
يمكن أن تؤدي هذه الاكتشافات إلى ابتكار مستشعرات تستخدم في البحث والإنقاذ بعد الكوارث.
يجري حاليًا تطوير نماذج مطبوعة ثلاثي الأبعاد لقرون استشعار البعوض لاستكشاف تطبيقاتها المحتملة في التكنولوجيا المتقدمة.
لطالما كان البعوض من أكثر الكائنات المزعجة للبشر، إذ يتسبب في نقل الأمراض المميتة ويسبب إزعاجًا مستمرًا. لكن خلف هذا الكائن الصغير، يختبئ سر علمي مذهل قد يُحدث تحولًا كبيرًا في تكنولوجيا الصوتيات وتقنيات البحث والإنقاذ. فقد اكتشف العلماء أن البعوض يتمتع بقدرة فائقة على التقاط الأصوات بدقة غير مسبوقة، وهي خاصية قد تُستخدم لتطوير أجهزة استشعار متطورة لعزل الضوضاء وحتى المساعدة في جهود الإغاثة بعد الكوارث.
كيف يسمع البعوض؟
على عكس البشر، لا يعتمد البعوض في سماعه على الأذنين، بل يمتلك نظامًا سمعيًا متطورًا قائمًا على قرون استشعار مغطاة بالشعيرات الدقيقة. وفقًا لدراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة بيردو بقيادة بابلو زافاتيري وشيمينا بيرنال، فإن قرون الاستشعار لدى بعض أنواع البعوض تعمل كأجهزة استشعار عالية الحساسية، قادرة على التقاط ترددات محددة وسط بيئات ضوضائية.
توضح الدراسة أن ذكور نوع Aedes aegypti يعتمدون على هذه الآلية لتحديد مواقع الإناث من خلال استشعار خفقات أجنحتها المميزة، بينما تستخدم إناث نوع Uranotaenia lowii هذه القدرة لاستشعار نداءات الضفادع، مما يساعدها في العثور على مصدر غذائها.
باستخدام تقنيات متقدمة مثل التصوير المقطعي المحوسب والمجهر الإلكتروني، وجد الباحثون أن عملية السمع لدى البعوض تمر بمرحلتين رئيسيتين: أولًا، تلتقط الشعيرات الدقيقة الموجودة على قرون الاستشعار الاهتزازات الصوتية، مما يؤدي إلى حدوث تذبذب دقيق داخل هذه القرون. بعد ذلك، تنتقل هذه الاهتزازات إلى عضو جونستون، وهو عضو متخصص يحول هذه الاهتزازات إلى إشارات كهربائية تُرسل إلى الدماغ لتحليلها.
ثورة في تكنولوجيا إلغاء الضوضاء
قد تلهم هذه القدرة الفريدة تطورات تقنية جديدة في مجالات مختلفة. على سبيل المثال، يعتقد العلماء أن دراسة آلية سمع البعوض يمكن أن تسهم في تطوير ميكروفونات فائقة الحساسية قادرة على تصفية الضوضاء المحيطة والتركيز على أصوات محددة، وهو ابتكار قد يكون مفيدًا في المجالات الطبية والعسكرية.
من بين التطبيقات الواعدة لهذه التقنية، تطوير أجهزة استشعار تُستخدم في البحث والإنقاذ. يعتقد الباحثون أن محاكاة النظام السمعي للبعوض يمكن أن تؤدي إلى تصميم مستشعرات قادرة على اكتشاف إشارات الاستغاثة الصادرة عن الناجين تحت الأنقاض بعد الزلازل أو الكوارث الطبيعية الأخرى. فكما يتمكن البعوض من عزل الأصوات الضرورية وسط ضوضاء البيئة، قد تساعد هذه التقنية في تطوير أجهزة تنصت متقدمة قادرة على رصد نداءات المساعدة وسط الفوضى.
نحو مستقبل مستوحى من الطبيعة
يعمل فريق جامعة بيردو حاليًا على تطوير نماذج مطبوعة ثلاثيّ الأبعاد لقرون استشعار البعوض، لاستكشاف كيفية تحسين أدائها في التطبيقات المختلفة. وقد تُساهم هذه التصاميم المستوحاة من البعوض في إحداث نقلة نوعية في مجالات متعددة مثل:
- الأجهزة الطبية: تطوير حساسات قادرة على التقاط تغيرات دقيقة في الترددات الصوتية، ما قد يساعد في تشخيص بعض الأمراض التنفسية.
- تقليل الضوضاء في المدن: ابتكار مواد عازلة للصوت قادرة على تصفية الضوضاء غير المرغوب فيها وتعزيز الأصوات المهمة.
- التطبيقات العسكرية والأمنية: تحسين تقنيات الاستماع عن بعد لمراقبة البيئات ذات الضوضاء العالية، مما يسهم في تحسين عمليات المراقبة والإنقاذ.
الطبيعة كمصدر للإلهام التكنولوجي
تُعد هذه الدراسة مثالًا جديدًا على كيف يمكن للطبيعة أن تلهم الابتكارات التقنية. كما استوحت الصناعة تقنيات حديثة من جلد سمك القرش لتقليل مقاومة الهواء، ومن أقدام الوزغ لتطوير مواد لاصقة فائقة القوة، قد يكون البعوض هو مصدر الإلهام القادم في مجال الهندسة الصوتية والاستجابة للكوارث.
يقول زافاتيري في بيان صحفي حديث:
"في أوقات الأزمات، مثل الزلازل أو الكوارث الكبرى، يمكن أن تكون هذه المستشعرات ذات قيمة لا تُقدّر بثمن، إذ تعمل بسرعة على رصد الإشارات الصوتية الخافتة، مما يوجّه فرق الإنقاذ إلى الناجين المحتملين."
وبفضل هذه الاكتشافات، قد يصبح البعوض، الذي طالما كان عدوًا للبشر، أحد أكثر الكائنات إلهامًا في تطوير التقنيات الحديثة التي قد تنقذ الأرواح.