“الطفرات الأنانية”: الحيوانات المنوية لدى الرجال الأكبر سنًّا تحمل طفرات ممرِضة أكثر بخمس مرات!

3 د
تلعب خلايا النطاف "الأنانية" دورًا في زيادة الطفرات الوراثية مع تقدم عمر الأب.
تصل نسبة طفرات الحيامن الممرضة إلى ٥٪ أو أكثر عند الرجال المسنين.
تعزز تقنية التسلسل المزدوج تحليل الطفرات بدقة، مما يفيد التنبؤات الوراثية.
توفر خلايا النطاف حماية طبيعية ضد العوامل البيئية مقارنة بخلايا الدم.
تشير الدراسة إلى أهمية التخطيط المبكر للأبوة واستشارة الفحص الوراثي للآباء.
يبدو أنّ مسؤولية سلامة الجينات لا تقع على الأمهات وحدهن، فالعمر المتقدّم للآباء يلعب دوراً كبيراً في احتمالات انتقال طفرات وراثية ضارة إلى أطفالهم. دراسة جديدة من معهد “سانجر” البريطاني كشفت أن خلايا النطاف لدى الرجال تتغير بمرور السنوات بطريقة تجعل بعض الطفرات تنتشر بوتيرة متسارعة داخل الخصية.
تشير التحليلات الجينية الحديثة إلى أنّ نسبة الحيامن الحاملة لطفرات ممرضة تبلغ نحو ٢٪ عند الرجال في أوائل الثلاثينيات، لكنها قد تصل إلى ٥٪ أو أكثر عند سن السبعين. وتؤكد الدكتورة راهيله رحبري، المشاركة في البحث، أن “التقدم في السن يزيد فعلاً من خطر تمرير الطفرات المسببة للأمراض”.
وهذا يربط بين هذه النتائج والنقاش المتزايد حول تخطيط سنّ الأبوة وتأثيرها على صحة الأبناء، خاصة مع توسع الدراسات التي ترصد أثر العمر الأبوي على الجينات.
طفرات تتكاثر بوتيرة غير متساوية
يُعتقد أن بعض حالات التقزّم واضطرابات النمو العصبي مثل التوحّد تنشأ من طفرات محددة في خلايا جذعية تنتج النطاف. هذه الخلايا تُوصف بأنها “أنانية” لأنها تنقسم بسرعة أكبر من غيرها، فترتفع حصتها في السائل المنوي كلما تقدّم الرجل في العمر. وقد أكدت البروفيسورة آن غورِيلي من جامعة أكسفورد هذه الظاهرة منذ عقدين، وأوضحت أن الطفرات في عدة جينات يمكن أن تدفع الخلايا إلى هذا السلوك التناسلي غير المتوازن.
ويمهّد هذا التفسير لفهم لماذا لا تزيد الطفرات بطريقة خطية مع العمر فحسب، بل تقفز قفزات حادة في الأعمار المتقدمة.
وهذا يقودنا إلى الطريقة الحديثة التي استخدمها الباحثون لتتبع تلك الطفرات بدقة أكبر.
تقنية تسلسل مزدوج تفتح آفاقاً جديدة
اعتمد الفريق على تقنية تسلسل الحمض النووي من الاتجاهين معاً، ما يقلل أخطاء القراءة كثيراً مقارنة بالطرق التقليدية. بتحليل أكثر من ١٠٠ ألف نطفة من ٨١ رجلاً، حدد العلماء أكثر من ٤٠ جيناً تُظهر علامات على “أنانية” خلوية. ويقول الباحث ماثيو نيفيل إن “مدى تأثير هذه الجينات في كامل الجينوم كان أكبر بكثير مما توقعنا”.
وتشير النتائج إلى أن معظم هذه الطفرات على صلة باضطرابات النمو العصبي وبعض أنواع السرطان، رغم ضآلة نسبتها العددية مقارنة بالطفرات العشوائية الأخرى في المادة الوراثية.
ويعيد هذا الاكتشاف تسليط الضوء على مفهوم “اختيار الخلايا” داخل الأنسجة، وهو ما قد يكون جزءاً من عملية الشيخوخة ذاتها.
حماية طبيعية من العوامل البيئية
رغم أن التدخين والسمنة والإفراط في شرب الكحول ارتبطت بزيادة الطفرات في خلايا الدم، إلا أن خلايا النطاف بدت أقل تأثراً بتلك العوامل. إذ لاحظ الباحثون أن معدل تراكم الطفرات في السائل المنوي أبطأ بثماني مرات تقريباً مقارنة بخلايا الدم، في إشارة إلى آلية حماية خاصة تحافظ على الجينات في الخصيتين من المؤثرات البيئية المحيطة.
هذا يفتح باب التساؤلات حول ما إذا كانت هذه الخاصّية الدفاعية تمتد إلى أنسجة أخرى في الجسم.
دلالات صحية للمستقبل العائلي
يحثّ الخبراء الشباب الراغبين في الإنجاب المتأخر على التفكير في تجميد الحيوانات المنوية مبكراً، لتقليل احتمال نقل طفرات ضارة مستقبلاً، بينما يمكن للرجال الأكبر سناً الاستفادة من تقنيات الفحص الوراثي قبل الحمل.
وتخلص دراسة نُشرت في مجلة Nature إلى أن مسؤولية صحة الأبناء وراثياً تقع على عاتق كلا الوالدين، لا الأم وحدها، وأن تقدم عمر الأب لا يقل أهمية في تحديد المخاطر الجينية المرتبطة بالأبوة.
في المحصلة، تكشف هذه الدراسة عن جانب خفي من تأثير الزمن في خلايانا، وكيف يمكن لـ“أنانية” صغيرة داخل الخصية أن تترك بصمة كبيرة في أجيال الغد.









