العلماء اعتقدو أنه “فطر عملاق”.. اكتشاف أحفوري يعيد كتابة تاريخ الحياة على اليابسة!

3 د
الأحفورة المعروفة باسم Prototaxites كانت تُعتقد لعقود أنها نوع من الفطريات العملاقة التي عاشت قبل 400 مليون عام.
تحليل جزيئي حديث كشف أن تركيبها الكيميائي أقرب إلى الطحالب الخضراء، ما يعني أنها قد تكون نباتًا بدائيًا وليس فطرًا.
هذا الاكتشاف يغيّر الفرضيات السابقة حول زمن ظهور النباتات المعقدة على اليابسة.
الفهم الجديد يعيد تشكيل تصورات العلماء حول تطور النظم البيئية المبكرة ودور هذه الكائنات في تكوين التربة والمناخ.
الباحثون يؤكدون أن إعادة النظر في تفسيراتنا القديمة ضروري كلما توفرت تقنيات تحليل علمي أكثر تقدمًا.
تخيل أن تُبنى نظرتك لتاريخ الحياة على الأرض استنادًا إلى كائن اتضح لاحقًا أنه ليس ما ظنّه العلماء لعقود. هذا تمامًا ما حدث مع أحفورة شهيرة تُعرف باسم Prototaxites، التي حيّرت الباحثين منذ اكتشافها في القرن التاسع عشر، وكانت تُعتبر لغزًا جيولوجيًا يُفترض أنه فطر عملاق غريب الشكل. لكن يبدو أننا أمام قصة أكثر تعقيدًا… وربما أكثر إثارة.
ما هو Prototaxites بالضبط؟ ولماذا حيّر العلماء؟
هذه الأحفورة العملاقة التي تعود إلى ما قبل 400 مليون عام، كانت تظهر في هيئة أعمدة اسطوانية ضخمة يصل ارتفاعها إلى تسعة أمتار، وتبدو للوهلة الأولى وكأنها جذوع أشجار سقطت بفعل الزمن. علماء الجيولوجيا الأوائل، لعدم توفرهم على أدلة دقيقة، افترضوا أنها فطر عملاق، نظرًا لتكوينها العضوي وغياب أية أوراق أو أغصان.
لكن مع تقدم أدوات التحليل الحديثة، بدأ يتضح شيئًا فشيئًا أن هذه الفرضية كانت قاصرة، وأننا ربما كنا ننظر إلى أحد أقدم الأدلة على وجود شكل بدائي من الأشجار أو النباتات الشبيهة بالطحالب، وليس فطرًا كما كنا نعتقد.
أدلة جديدة من داخل الأحفورة
فريق دولي من العلماء، بقيادة الدكتور Thorsten Lumbsch من الحديقة النباتية في شيكاغو، استخدم تقنية تُعرف باسم "التحليل الجزيئي للحفريات"، وهي تُمكّن الباحثين من التعرف على البنية الكيميائية الدقيقة للمواد العضوية المتحجرة. وبدلًا من العثور على مؤشرات فطرية، وجدوا أن تركيب Prototaxites يشبه إلى حد كبير أنواعًا بدائية من الطحالب الخضراء.
هذا الاكتشاف غيّر زاوية النظر تمامًا: إذا لم يكن هذا الكائن فطرًا، فماذا يكون؟ الأدلة تشير الآن إلى أنه قد يكون نوعًا بدائيًا من النباتات المعقدة التي ظهرت قبل ملايين السنين من ظهور الأشجار الحقيقية.
لماذا يُعدّ هذا مهماً؟
قد يبدو هذا مجرد تفصيل علمي صغير، لكن الحقيقة أن تحديد طبيعة Prototaxites يغيّر جذريًا فهمنا لتاريخ الحياة على اليابسة. فإذا كان نباتًا، فهذا يعني أن النباتات المعقدة ظهرت على الأرض أبكر بكثير مما كنا نعتقد – بل وقد تكون ساهمت في تشكيل النُظم البيئية الأرضية في وقت مبكر جدًا.
بمعنى آخر، نحن لا نعيد تصنيف كائن قديم فقط، بل نعيد صياغة سردية كاملة عن كيف بدأت الحياة على اليابسة، وكيف تطورت التربة، والمناخ، وحتى دورة الكربون في بدايات الكوكب.
أخطاء الماضي… ودروس المستقبل
هذا الاكتشاف يفتح أيضًا نقاشًا أكبر حول مدى اعتمادنا على التفسيرات القديمة، خاصة تلك التي لم تكن مدعومة بأدلة كيميائية أو جزيئية. فالفكرة السائدة بأن Prototaxites كان فطرًا استمرت لأكثر من 150 عامًا، ببساطة لأنها كانت التفسير "الأقرب إلى المنطق" في ظل الأدوات المتاحة حينها.
لكن مع تطور العلم، من المهم أن نظل مستعدين لإعادة النظر في المسلّمات، وأن نقبل بأن الحقيقة العلمية ليست جامدة، بل تتغير بتغير المعطيات.
ما التالي؟
لا يزال هناك الكثير لنتعلمه عن هذه الأحفورة الغامضة. فالعلماء الآن يخططون لتحليل المزيد من العينات من مناطق مختلفة حول العالم، على أمل كشف المزيد عن كيفية تشكل هذا الكائن، وكيف أثّر على الحياة الأرضية في زمنه.
وفي خضم ذلك، يبقى Prototaxites تذكيرًا حيًا بأن الأرض تحتفظ بأسرار كثيرة، وأن بعض ما نظنه اليوم حقيقة، قد يتبين غدًا أنه مجرد بداية لحكاية أعمق… وأكثر خضرة مما ظننا