جامعة شيكاغو تكشف اختراقًا كموميًا مذهلًا: بروتينات قناديل البحر تتحوّل إلى حواسيب داخل الخلايا!

3 د
حول فريق جامعة شيكاغو بروتينات قناديل البحر إلى كيوبتات كمية بنجاح.
تتيح البروتينات البيولوجية رصد الإشارات الخلوية، مما يمهد لأجهزة استشعار طبي متقدمة.
تشكل البروتينات الكمية نافذة جديدة لرصد العمليات الحيوية بدقة غير مسبوقة.
تواجه التقنية تحديات التبريد والحساسية لكنها تُبني علمًا جديدًا بين البيولوجيا والفيزياء.
أثبتت الفكرة نقطة تحول نحو مستقبل محتمل للطب الكمي والأجهزة التشخيصية.
في خطوة قد تبدو أقرب إلى الخيال العلمي منها إلى الواقع المخبري، كشف فريق بحثي من جامعة شيكاغو عن نجاحه في تحويل بروتينات مضيئة مأخوذة من قناديل البحر إلى وحدات معالجة كمية تعرف بالـ«كيوبت».
هذه النقلة غير المتوقعة تفتح الباب أمام جيل جديد من أجهزة الاستشعار البيولوجية القادرة على رصد الإشارات الكهربائية والمغناطيسية على مستوى الخلايا، وهو ما قد يغير مستقبل الطب والتكنولوجيا الحيوية.
وهنا يبدأ الخط الزمني لاختراق قد يعيد رسم حدود العلاقة بين الطبيعة والتكنولوجيا.
تعتمد التجربة على بروتينات فلورية طبيعية تمنح بعض الكائنات البحرية توهجها الشهير. هذه البروتينات تمتص الضوء ثم تعيد إطلاقه بأطوال موجية مختلفة، لكن سرها الأكبر يكمن في جزء صغير يعرف بالفوروفور (fluorophore). هذا الجزء قادر على الدخول في حالة «ثلاثية ميتا-مستقرة» تتيح للإلكترونات أن تصطف في حالة كمومية تسمى بالتراكب. ومن هنا استغل الباحثون هذه الخاصية لبناء كيوبت حيوي فعّال يمكن التحكم به باستخدام جهاز ميكروسكوب متطور.
وهذا الربط بين خواص طبيعية ظهرت عبر ملايين السنين من التطور وبين الفيزياء الكمية الحديثة يعكس اتجاهاً جديداً في استلهام العلم من الطبيعة نفسها.
ما يجعل هذه الخطوة لافتة هو أن هذه الكيوبتات الحيوية تستطيع بالفعل رصد سلوكيات دقيقة كالنبضات الإلكترونية التي تحرك انثناء البروتينات أو انطلاق تفاعلات كيميائية دقيقة. بمعنى آخر، يمكنها أن تقدم للعلماء نافذة غير مسبوقة على ما يجري داخل الخلية الحية في الزمن الحقيقي. هذا قد يمهّد لتقنيات تصوير طبي متقدمة قادرة على كشف أمراض في مراحلها الأولى أو متابعة الأدوية وهي تعمل داخل الجسم.
هذا الانتقال من إثبات الفكرة إلى إحتمالية التطبيقات الطبية يعكس تصاعد التوقعات لما قد تعنيه البيولوجيا الكمية في السنوات القادمة.
رغم الحماسة، لا يخلو الطريق من عقبات كبيرة. فلكي تعمل البروتينات الكمية بكفاءة يجب تبريدها إلى درجات منخفضة جداً تصل إلى 175 كلفن، أي ما يعادل نحو 98 درجة مئوية تحت الصفر. وعند درجات الحرارة الطبيعية تنخفض دقة الاستشعار بشكل ملحوظ، كما يتراجع عمر الحالة الكمية بسرعة. إضافةً إلى ذلك، لا تصل حساسية هذه البروتينات بعد إلى مستوى حساسات أخرى راسخة مثل تلك المبنية على الألماس النانوي.
وهذا يعكس الفجوة الحالية بين الاختراق في المخابر وإمكانية وضع التقنية في أجهزة علاجية أو أدوات تشخيص متاحة للأطباء.
ورغم تلك الصعوبات، ينظر كثير من الباحثين إلى المشروع كتجسيد لولادة علم جديد يجمع بين البيولوجيا والكم. إدماج الكيوبتات في الكائنات الحية يفتح الباب لإعادة فهم العمليات الحيوية من منظور ميكانيكا الكم، وربما يغير تدريجياً مناهج البحث في الطب، والبيئة، وحتى علوم المواد.
وإذا تمكن العلماء من تطوير نسخ تعمل في ظروف الغرفة العادية وبحساسية أعلى، فقد نشهد ثورة في أدوات التشخيص والعلاج، بل وربما في طريقة إدارتنا لصحتنا.
هذا ما يجعل اكتشاف اليوم خطوة تأسيسية أكثر من كونه حلاً فورياً، لكنه يمهد لرؤية جديدة عن الحدود الممكنة بين الحياة والتكنولوجيا.
التحول الغريب لبروتينات قناديل البحر إلى كيوبتات ليس مجرد سبق علمي عابر، بل بداية فصل جديد في تزاوج الفيزياء مع الأحياء. صحيح أن تجميد العينات شرط أساسي حالياً، لكن مجرد إثبات الفكرة يضع أمام العلم مساراً لم يكن مطروحاً قبل سنوات قليلة. إذا كان المستقبل سيحمل «طباً كمياً» أو أدوات استشعار جديدة للجسم البشري، فربما نتذكر أن شرارته الأولى جاءت من توهج بسيط في أعماق البحر.