ذكاء اصطناعي

راديو بلا كهرباء! ابتكار كمي يعمل بالليزر وحده يربك مفاهيم الفيزياء الكلاسيكية

محمد كمال
محمد كمال

2 د

طور علماء جامعة وارسو راديو يعمل بالليزر بدون كهرباء أو هوائيات معدنية.

يعتمد الجهاز على ذرات الروبيديوم لتحويل الموجات الراديوية إلى إشارات ضوئية.

يستخدم الجهاز ثلاث حزم ليزرية فائقة الاستقرار لالتقاط وتفسير الإشارات.

بفضل عدم وجود مكونات معدنية، يُعد الجهاز غير مرئي للمجالات الراديوية.

يدرس الفريق تطبيق التقنية في الفضاء بالتعاون مع وكالة الفضاء الأوروبية.

في سابقة علمية تفتح الباب أمام حقبة جديدة من الاتصالات، طوّر فريق من الفيزيائيين في جامعة وارسو البولندية أول جهاز استقبال إذاعي يعمل بالكامل بواسطة الضوء الليزري، دون حاجة إلى كهرباء أو هوائيات معدنية.


ثورة ضوئية في عالم الموجات الراديوية


الجهاز الجديد، الذي يقوده الدكتور ميخاو بارنياك من كلية الفيزياء ومركز التقنيات البصرية الكمية في الجامعة، يعتمد على ذرات الروبيديوم فيما يُعرف بـ«ذرات رايدبرغ». هذه الذرات الحساسة تستطيع التقاط الموجات الراديوية وتحويلها إلى إشارات ضوئية دقيقة. وباستخدام ثلاث حزم ليزرية فائقة الاستقرار، لا يرصد الجهاز الإشارات فقط، بل يفسرها أيضاً دون الحاجة إلى أي مكونات إلكترونية تقليدية.

وهذا يربط الإنجاز بمجال الاستشعار الكمي الذي يسعى منذ سنوات إلى استبدال الأنظمة المعتمدة على الكهرباء بأنظمة تعمل بالضوء، ما يفتح المجال لتقنيات استشعار خفية عالية الدقة.


من الهوائيات المعدنية إلى السحب الذرية


في أجهزة الإرسال والاستقبال التقليدية، تكشف الهوائيات المعدنية عن التغيرات في المجال الكهرومغناطيسي. أما في الابتكار البولندي، فتم استبدال هذه الهوائيات بسحابة من بخار الروبيديوم داخل أنبوب زجاجي صغير. عندما تمر الموجات الراديوية عبر هذا الأنبوب، تتفاعل مع الإلكترونات داخل الذرات، فترتفع إلى مستويات طاقة عليا ثم تعود لتصدر ضوءاً تحت أحمر يحمل الإشارة الملتقطة.

يقول بارنياك إن فريقه «استبدل الهوائي والمزج الإلكتروني بوسط جديد أشبه بشفق قطبي صناعي»، في إشارة إلى جمال الظاهرة ودقتها.


نظام ذاتي المعايرة بدقة عالية


ولضمان ثبات الترددات الضوئية المتعددة، استخدم الباحثون تجاويف ضوئية عاكسة تحافظ على إيقاع الليزر واستقراره، بطريقة تشبه المحافظة على نغمة داخل أنبوب آلة موسيقية. هذه الدقة تمكّن الجهاز من تحليل سعة الإشارة وطورها بدقة غير مسبوقة، مع قدرة على المعايرة الذاتية دون تدخل بشري.

وبهذه الميزة، يمكن للجهاز العمل في بيئات يصعب فيها استخدام أجهزة إلكترونية، مثل المختبرات الحساسة أو الأقمار الصناعية.


نحو مستقبل تطبيقي في الفضاء والدفاع


وفقاً للفريق، لا يحتوي الجهاز على أية مكونات معدنية، ما يجعله عملياً “غير مرئي” للمجالات الراديوية التي يقيسها. وبفضل صغر حجمه، يمكن مستقبلاً دمجه في ألياف ضوئية لالتقاط الإشارات على مسافات بعيدة بشكل خفي. وتشهد التقنية حالياً خطوات أولى للتسويق بالتعاون مع وكالة الفضاء الأوروبية، ضمن مشروع لتطوير حساسات كمية دقيقة للقياسات الميدانية في المدار.

وهذا التطور يربط بين الأبحاث المخبرية والمشروعات التطبيقية الكبرى التي تقودها أوروبا في مجالات الاتصالات الكمية والأمن والدفاع.


الخلاصة

ذو صلة


ما بدأ كتجربة أكاديمية قد يغيّر قريباً مفهومنا عن الاتصال اللاسلكي. فالراديو الذي عرفناه يعتمد منذ قرن على الكهرباء والمعادن، أما المستقبل فيبدو أنه سيُدار بالنور والذرات. ومع إمكانات التخفّي والدقة العالية، قد يصبح الاستشعار الكمي بالضوء أداةً ثورية تمتد من المختبرات إلى الفضاء.

ذو صلة