ذكاء اصطناعي

مجرة تتحدى الزمن: اكتشاف مجرّة “ميّتة” بعد 700 مليون سنة فقط من الانفجار العظيم

فريق العمل
فريق العمل

3 د

اكتشف العلماء مجرة تُدعى RUBIES-UDS-QG-z7 توقفت عن تشكيل النجوم بعد 700 مليون سنة من الانفجار العظيم.

تضم المجرة أكثر من 10 مليارات كتلة شمسية وتُعد الأكثر بُعداً وكثافة بين المجرات الساكنة المعروفة.

يناقض الاكتشاف النماذج الحالية لتطور المجرات التي افترضت أن عملية الخمود النجمي تستغرق مليارات السنين.

تشير البنية الكثيفة للمجرة إلى أنها قد تكون نواة مبكرة لمجرة إهليلجية عملاقة تشبه تلك الموجودة في الكون الحالي.

في اكتشاف مذهل يغيّر نظرتنا لتاريخ الكون، كشف تلسكوب جيمس ويب الفضائي عن وجود مجرة ضخمة توقّفت عن تشكيل النجوم بعد 700 مليون سنة فقط من الانفجار العظيم، وهو زمن مبكر للغاية في عمر الكون لا يتوافق مع النماذج الفلكية الحالية.


مجرّة نادرة في أقاصي الكون

أطلق العلماء على المجرة اسم RUBIES-UDS-QG-z7، وقد تم رصدها ضمن مشروع أوروبي يُعرف بمسح RUBIES خلال الدورة الثانية لمشاهدات تلسكوب جيمس ويب. تُعد هذه المجرة أبعد مجرة ساكنة (quiescent galaxy) تُكتشف حتى الآن، مما يعني أنها توقفت بالفعل عن إنتاج النجوم في وقتٍ مبكر جداً من تاريخ الكون.

وفقاً لما ذكرته الدراسة المنشورة في مجلة Astrophysical Journal، تضم المجرة أكثر من 10 مليارات كتلة شمسية ضمن نطاق ضيّق لا يتجاوز 650 سنة ضوئية. هذه الكثافة المذهلة تعني أن المجرة صغيرة للغاية بالنسبة لحجمها الهائل، وتشبه إلى حد كبير النوى الكثيفة للمجرات الإهليلجية الضخمة التي نراها في الوقت الحاضر.


تحدٍّ مباشر للنماذج الكونية المعتمدة

الجزء الأكثر إثارة في هذا الاكتشاف هو أن المجرة لم تكن فقط ضخمة ومضغوطة، بل "ميتة" أيضاً، أي أنها أنهت دورة تشكيل النجوم في وقت مبكر جداً. وهذا يتعارض مع النماذج الفلكية الحالية التي تفترض أن توقف عملية تشكيل النجوم – أو ما يُعرف بظاهرة "الخمود النجمي" (quenching) – يحدث على مدى مليارات السنين، وليس مئات الملايين.

أشارت أندريا ويبل، المؤلفة الرئيسية للدراسة وطالبة الدكتوراه في قسم الفلك بجامعة جنيف، إلى أن:


"يشير هذا الاكتشاف إلى أن المجرات الضخمة الساكنة في المليار سنة الأولى من عمر الكون أكثر شيوعاً بـ100 مرة مما توقعته أيّ من النماذج حتى الآن".


الضوء القادم من الماضي يكشف الحقيقة

بفضل قدرات تلسكوب جيمس ويب في مجال الأشعة تحت الحمراء، تمكن العلماء من تحليل الطيف الضوئي للمجرة عبر أداة NIRSpec/PRISM، مما كشف عن وجود نجوم قديمة وغياب النجوم الزرقاء الساخنة، ما يدل على أن المجرة قد أنهت دورة حياتها النجمية بالفعل. كل ما تبقى فيها من نجوم هي الأقدم، ذات اللون الأحمر الخافت.

وأكدت آنا دي غراف، الباحثة في معهد ماكس بلانك للفلك والمشرفة على مشروع RUBIES، أن:


"يمثل هذا الاكتشاف أول دليل قوي على أن مراكز بعض المجرات الإهليلجية الضخمة الموجودة اليوم ربما كانت قد تشكلت بالفعل خلال المئات الأولى من ملايين السنين بعد الانفجار العظيم".


أزمة في النماذج النظرية لتشكل المجرات

حتى وقت قريب، كانت أقدم المجرات الساكنة المعروفة تعود إلى نحو 1.2 مليار سنة بعد الانفجار العظيم. أما مجرة RUBIES-UDS-QG-z7، فتدفع هذا الحد الزمني إلى الوراء بنحو 500 مليون سنة، ما يضع النماذج الفلكية السائدة في موضع تساؤل عميق.

وأوضح باسكال أوش، أستاذ بجامعة جنيف وأحد مؤلفي الدراسة، أن


"العثور على أولى المجرات الساكنة الضخمة في بدايات الكون يسلّط الضوء على الآليات المحتملة لتشكّلها"

وقد رجّح العلماء أن يكون هناك دور أكبر مما كان يُعتقد سابقاً لرياح النجوم، والتغذية الراجعة من الثقوب السوداء، وتدفقات الغاز الخارجة في كبح تشكيل النجوم.


أصول مبكرة للمجرات العملاقة الحديثة

رغم أن المجرة تبعد عنا مليارات السنين الضوئية، إلا أن شكلها وكثافتها النجمية يوحيان بأنها قد تكون النواة المبكرة لإحدى المجرات الإهليلجية العملاقة التي نراها في الكون الحالي. وهذا يعزز فرضية أن الأجزاء المركزية من هذه المجرات قد تكون وُجدت منذ البدايات الأولى للكون.


الكون أكثر تعقيداً مما كنا نتصور

ذو صلة

هذا الاكتشاف لا يضيف فقط حلقة جديدة إلى سلسلة الغموض الكوني، بل يعيد صياغة الأسئلة الأساسية حول كيفية تشكل المجرات وتطورها. فإذا كانت مجرات ضخمة قد أنهت حياتها النجمية بهذه السرعة، فما الذي نجهله بعد عن المراحل الأولى للكون؟

في وقتٍ تواصل فيه التلسكوبات المتقدمة مثل "جيمس ويب" فتح نوافذ جديدة على تاريخ الكون، تبدو نماذجنا الكونية بحاجة ماسة إلى تحديثات جذرية، لتتوافق مع هذه الدلائل التي تعيد رسم خريطة نشأة المجرات كما لم نتخيلها من قبل.

ذو صلة