منقرض لكن ليس للأبد: التقنيات الحديثة تُعيد طائر الدودو إلى الحياة!!

4 د
تطمح "كولوسال بيوساينسز" لإعادة طائر "الدودو" للوجود باستخدام تقنيات التعديل الوراثي.
ستُستخدم دجاجات كأمهات حاضنات للبيوض المعدلة لإنتاج نسل بصفات "الدودو".
مشروع إحياء "الماموث الصوفي" يهدف لإحياء الكائنات بإضافة جينات خاصة للفيلة الآسيوية.
تواجه مشاريع الإحياء تساؤلات أخلاقية وعلمية حول التباعيات البيئية وإعادة التوازن البيولوجي.
منذ زمن طويل، ونحن ننظر إلى طائر الدودو كرمزٍ حزين لانقراض الحيوانات بسبب الإنسان؛ لكنه قد يعود قريبًا إلى الحياة بفضل جهود غير مسبوقة من جانب علماء يطمحون إلى إعادة إحياء هذا الطائر، مع أنواع أخرى اندثرت من الوجود.
العودة المنتظرة لطائر الدودو
شركتنا بطلة قصتنا اليوم هي "كولوسال بيوساينسز" (Colossal Biosciences)؛ وهي شركة أمريكية متخصصة في إعادة الأنواع المنقرضة للحياة، ومقرها في تكساس. اختارت هذه الشركة طائر الدودو باعتباره من أبرز مشاريعها، وهو طائر لا يطير، عاش سابقًا في جزيرة موريشيوس وانقرض رسميًا في عام 1681 بعد فترة وجيزة من وصول البحارة والبشر إلى الجزيرة. لكونه غير قادر على الدفاع عن نفسه ضد الحيوانات التي أدخلها الإنسان معه، لم يستطع الدودو الصمود طويلًا.
لكن العلماء في "كولوسال" لديهم رؤية مختلفة، فهم يسعون لتصحيح ما يعتبرونه خطأ بيئيًا تاريخيًا، من خلال محاولة إعادة هذا الطائر للحياة بحلول عام 2028. فكيف سيحدث ذلك بالضبط؟
ببساطة، يقوم العلماء بفحص وتحليل الحمض النووي (DNA) المستخلص من جمجمة محفوظة بعناية في متحف التاريخ الطبيعي في الدنمارك، وذلك من أجل تكوين تسلسل جينوم (مجموعة الجينات كاملة للدودو). بعد ذلك، يخططون لاستخدام أحدث تقنيات التعديل الوراثي، وعلى رأسها تقنية "كريسبر" (CRISPR)، وهي عبارة عن مقص جيني يتيح تعديل الحمض النووي بدقة، لإضفاء صفات الدودو على الحمض النووي لأحد أقاربه الأحياء حالياً، وهو حمام "نيكوبار".
هنا تأتي المفاجأة الحقيقية، حيث قرر الباحثون استخدام دجاج عادي كحاضنة أو أم بديلة للبيوض المعدلة جينيًا، على أمل أن تنتج هذه الطيور الصغيرة عن دجاج يحمل خلايا تكاثرية تنعكس فيها سمات الدودو بوضوح.
مشروع الماموث الصوفي.. حلم جديد في البيئة الباردة
مشروع آخر يبدو خيالياً بنفس القدر هو إعادة إحياء "الماموث الصوفي"، الذي عاش وازدهر قبل آلاف السنين في المناطق الشمالية الباردة على كوكب الأرض. ورغم مرور فترة طويلة على اختفاء هذه الحيوانات، إلا أن الماموث يحتفظ بقرب جيني مدهش مع الفيل الآسيوي المعاصر، حيث يشترك الاثنان في 98% من الخصائص الوراثية.
تستغل "كولوسال" هذا الشبه الكبير لتعديل الـ 2% المتبقية من الحمض النووي، ما يمنح الفيل المعاصر صفات خاصة بالماموث مثل الفراء السميك، والجسم الكبير المليء بالدهون الذي كان يسمح للماموث بالنجاة في الطقس المتجمد. يتم إجراء ذلك بطريقة تسمى "نقل نواة الخلية الجسدية"، باختصار، من خلال أخذ خلايا معدلة من الفيل الآسيوي وزرع نواتها المعدلة في بويضة فيلة آسيوية، لتكوين جنين معدل جينيًا يشبه الماموث.
هذا المشروع يهدف لإنتاج أول جنين من نوعه بحلول نهاية 2026، في خطوة تعني أننا قد نشهد ميلاد أول "فيل-ماموث" حديث بحلول العام 2028.
النمر التسماني… عودة نوع منقرض حديث العهد
وفي أستراليا، تستهدف الشركة أيضًا استعادة حيوان فريد آخر اندثر مؤخرًا نسبيًا، هو نمر تسمانيا، المعروف أيضًا باسم "الثايلسين"، الذي لم يمر أكثر من قرن على إعلان انقراضه بشكل رسمي (توفي آخر نمر تسماني معروف عام 1936). كان هذا الحيوان يشبه الكلب شكلاً، لكنه كان من الجرابيات (كالكوالا والكنغر)، وكان يتميز بخطوط مميزة على ظهره.
لكن مشروع إعادة النمر التسماني يواجه تحديات كبيرة، بسبب صغر حجم أقرب أقاربه الأحياء من ذوات الجراب الصغيرة، وهو حيوان صغير يسمى "الدنارت". تتمثل الخطة هنا في إجراء تعديلات جينية على هذا الحيوان الصغير بهدف جعله أكبر حجمًا وأكثر شبهاً بالنمر التسماني، بما في ذلك تعديل حجم الفك والجسم وإضافة الخطوط المميزة على فرائه.
التحديات والأخلاقيات في إحياء الأنواع المنقرضة
بالطبع، هذه المشاريع الطموحة ليست بدون تساؤلات كبيرة وإشكاليات أخلاقية وعلمية. هل من المقبول أخلاقيًا أن ننعش أنواعاً انقرضت منذ فترات بعيدة؟ وما هي التبعات الإيكولوجية لعودة هذه الكائنات إلى بيئات لم تعد تشبه البيئات الأصلية التي عاشت فيها في الماضي؟
إضافةً إلى ذلك، هناك تحديات تقنية وعملية مهمة، مثل الفرق الكبير في الحجم واختلاف الأساليب التي ستتم بها عملية الحمل والولادة. فمثلًا، يستغرق حمل الفيل نحو 22 شهراً، وهو وقت طويل جدًا بالمقارنة مع حيوانات أخرى مثل الفئران التي تتمكن من توليد تجاربها المعدلة جينيًا في فترة أقصر بكثير. هذه الأنواع صغيرة الحجم تستخدمها الشركة كنماذج اختبار أولية للتأكد من نجاح الخطوات العلمية والوراثية قبل الانتقال إلى الحيوانات الأكبر حجمًا.
ورغم هذه التحديات، يواصل فريق "كولوسال بيوساينسز" أبحاثه بجدية وثقة كبيرة، على أمل إعادة التنوع البيئي لمجده السابق، وربما أيضًا لمد البشر بفهم أكثر تعمقًا لطبيعة انقراض الأنواع وكيف يمكننا تجنب المزيد من الكوارث البيئية في المستقبل.
تبقى التساؤلات تفتح المجال لنقاشات واسعة، فيما ننتظر بفارغ الصبر ماذا سيحدث حين تعود هذه الكائنات فعلا للتجول مرة أخرى على سطح الأرض.