هل حياتنا مجرد محاكاة رقمية؟ عالم فيزياء يدّعي امتلاكه الدليل

3 د
أعلن عالم الفيزياء ملڤين فوبسون عن "دليل" يدعم نظرية أن الكون قد يكون محاكاة رقمية.
استند في طرحه إلى قانون جديد صاغه بنفسه يُعرف بـ"القانون الثاني للديناميكا المعلوماتية".
زعم أن سلوك المعلومات في الأنظمة الرقمية، وحتى في الفيروسات، يشير إلى وجود نمط ضغط وتحسين للبيانات في الكون.
لا تزال النظرية تواجه تشكيكاً علمياً واسعاً وتحتاج إلى دراسات وتحقيقات معمقة قبل اعتمادها.
منذ أن أثار الفيلسوف الشهير أفلاطون فكرة أن ما نراه قد لا يكون إلا ظلالاً لحقيقة أعمق، ظل سؤال "هل نعيش في واقع حقيقي؟" يؤرق الفلاسفة والعلماء على حد سواء. واليوم، يعيد عالم الفيزياء "ملفين فوبسون" من جامعة بورتسموث إشعال هذا الجدل، بعد أن أعلن أنه يملك دليلاً يدعم نظرية "الكون المحاكى"—أي أن الكون قد لا يكون حقيقياً كما نعتقد، بل نتاج محاكاة رقمية متقدمة.
نظرية جديدة: قانون الديناميكا المعلوماتية الثاني
يرتكز فوبسون في طرحه على ما أسماه "القانون الثاني للديناميكا المعلوماتية" (Second Law of Infodynamics)، وهو مفهوم جديد صاغه بنفسه، ويرى أنه يتحدى بعض الأسس الراسخة في الفيزياء، مثل القانون الثاني للديناميكا الحرارية الذي ينص على أن الفوضى (أو الإنتروبيا) لا يمكن أن تقل في نظام معزول، بل إما أن تزداد أو تبقى على حالها.
لكن فوبسون لاحظ سلوكاً مختلفاً في الأنظمة المعلوماتية: فبدلاً من ازدياد الفوضى، يبدو أن الإنتروبيا المعلوماتية تبقى ثابتة أو حتى تنخفض مع مرور الوقت، وهو ما وصفه بـ"تحسين البيانات وضغطها ذاتياً"، ما يشير في رأيه إلى أن الكون يتصرف كما لو كان نظاماً رقمياً مصمماً بكفاءة حسابية، تماماً كما تفعل أنظمة الحوسبة لتوفير المساحة وتقليل استهلاك الموارد.
من الخيال إلى الفيزياء: "الواقع المعاد تحميله"
في أكتوبر الماضي، نشر فوبسون مقالاً في منصة The Conversation يتحدث فيه عن أطروحته المثيرة، مُستشهداً بفيلم الخيال العلمي الشهير The Matrix، الذي قدم عالماً افتراضياً خادعاً يُخدع فيه البشر عبر محاكاة رقمية متقنة. ولم يكن هذا التشبيه عرضياً؛ إذ أصدر فوبسون في نفس الشهر كتاباً بعنوان Reality Reloaded (الواقع المعاد تحميله)، كتحية غير مباشرة لجزء من سلسلة الأفلام ذاتها.
ويقول فوبسون:
"تماماً كما أن فيزياء الأجسام تخضع لقوانين ثابتة، فإن المعلومات في الكون يجب أن تتبع قوانينها الخاصة"
ويضيف أن الكون يتمدد دون فقدان أو كسب للحرارة، ما يعني أن الإنتروبيا الكلية يجب أن تبقى ثابتة، وهو ما يتعارض ظاهرياً مع قانون الديناميكا الحرارية. من هنا، يقترح وجود نوع موازٍ من الإنتروبيا، تُدعى "الإنتروبيا المعلوماتية"، تعمل على موازنة هذا التناقض الظاهري.
تطبيقات في الفيزياء والأحياء: طعن في الداروينية؟
يمتد تأثير قانون فوبسون الجديد ليشمل مجالات عديدة: من ترتيب الإلكترونات في الفيزياء الذرية، إلى سلوك الفيروسات المتحورة في علم الأحياء. ويزعم فوبسون أن تحورات فيروس "كوفيد-19" ليست عشوائية كما افترض تشارلز داروين، بل إنها تسير وفق نمط يهدف إلى تقليل الإنتروبيا المعلوماتية. وقد نشر في أكتوبر الماضي ورقة علمية في مجلة AIP Advances أشار فيها إلى وجود "علاقة فريدة بين الديناميات الجينية والمعلومات" في تحورات الفيروس.
هل تكفي هذه الأدلة؟
رغم جرأة الطرح، لا تزال نظرية فوبسون بعيدة عن القبول العلمي الواسع. كما أشار موقع IFLScience، فإن الأبحاث التي تدحض فكرة "الكون الرقمي" لا تقل عدداً عن تلك التي تؤيدها. فحتى وإن أثارت "الديناميكا المعلوماتية" فضول بعض الباحثين، إلا أن النظرية ستحتاج إلى تجارب صارمة وإثباتات متعددة قبل أن تُدرج ضمن الإطار العلمي المقبول.
تساؤلات قديمة في ثوب جديد
إن ما يطرحه فوبسون لا يختلف في جوهره عما طرحه أفلاطون قديماً أو ما صوّره فيلم The Matrix لاحقاً؛ لكنه يقدّمه اليوم من بوابة الفيزياء النظرية والمعلوماتية، في محاولة لإضفاء طابع علمي على فرضية بدت طويلاً كأنها حكر على الفلسفة والخيال.
ورغم أن اليقين لا يزال بعيداً، إلا أن هذه النظريات تفتح المجال أمام إعادة التفكير في طبيعة الواقع، ودور المعلومات كعنصر جوهري في بنية الكون. وبينما تستمر الأبحاث، تبقى الأسئلة الكبرى بلا إجابة: هل نحن فعلاً نعيش في محاكاة؟ وإذا كان الجواب نعم، فمن يديرها؟ ولماذا؟