86% من القوارض تمتلك أظافر إبهام… والنتيجة؟ براعة غذائية وتطور مذهل

4 د
لفتت انتباه العلماء أظافر القوارض الأملس في الإبهام، بدلاً من المخالب الحادة.
تساعد هذه الأظافر المسطحة القوارض في الإمساك بالأغذية الصعبة مثل المكسرات بدقة.
تكيفت القوارض الأرضية بالأظافر للتسلّق والحركة بسهولة، بينما الجوفية احتفظت بالمخالب.
تشابه القوارض والرئيسيات في الأظافر ناتج عن التطور التقاربي المستقل لكل منهما.
قد يكون نجاح القوارض مرتبطًا بهذا الاختلاف التشريحي في الإبهام.
تخيل سنجابًا يتناول حبة جوز؛ تراه يمسكها بإحكام بين يديه الصغيرتين، يستخدم إبهامه بدقة لثَقب القشرة وتناول اللب اللذيذ. ما قد لا يعرفه كثيرون أن السنجاب – وغيره من غالبية القوارض – لا يملك مخلبًا حادًا في إبهامه كما في بقية الأصابع، بل ظفرًا أملسًا ومسطحًا تمامًا أشبه بأظافر البشر. فهل يمكن لهذا الاختلاف البسيط أن يكون سببًا في تفوق القوارض وسيطرتها على أنحاء الكوكب؟
منذ قرون، لفت انتباه العلماء هذا التفصيل الدقيق لدى القوارض مثل السناجب والهامستر وخنازير غينيا، لكن أحدًا لم يدرس مسألة الأظافر والمخالب على مستوى شجرة العائلة الضخمة لدى القوارض. هذا الفراغ حاول أن يسده فريق بحثي من متحف فيلد بمدينة شيكاغو، والذي يضم واحدة من أغنى مجموعات الثدييات في العالم، إذ لا تقل القوارض وحدها عن 40% من جميع أنواع الثدييات التي نعرفها اليوم.
وعبر البحث الدقيق في مئات العينات، بدأ الباحثون بمقارنة الإبهام لدى أكثر من 430 نوعًا ينتمون إلى فروع شجرة القوارض، هدفهم معرفة من يمتلك تلك الأظافر المسطحة ومن احتفظ بالمخالب الحادة، وكيف يرتبط كل ذلك بتصرفات الحيوان وغذائه. إن استكشاف هذه الفروق ساعد الفريق في رسم صورة أوضح عن التطور الذي جعل القوارض من أنجح الثدييات وأكثرها انتشارًا.
الأظافر والمخالب: مفتاح الرشاقة والانتشار
هذا التعمق في دراسة التكيفات الجسدية ربط بين شكل الإصبع ووظائفه اليومية. فقد لاحظ الباحثون أن القوارض التي تفتقر إلى إبهام مزود بظفر مسطح – مثل خنازير غينيا – غالبًا لا تمسك الطعام إلا بأفواهها، في حين تميل الأنواع ذات الأظافر المسطحة لاستخدام الأيدي في الإمساك بحبات الجوز أو البذور ومعالجتها بدقة. بحسب نتائج الدراسة، هذا التغيير الضئيل يوفر ميزة هائلة في التعامل مع الأغذية الصعبة مثل المكسرات، ويسمح للقوارض بالاستفادة من موارد غنية بالطاقة يعجز غيرها من الحيوانات عن استغلالها بالكفاءة نفسها.
وهنا، يوضح الفريق أن السلالة المشتركة الأولى للقوارض امتلكت على الأرجح تلك الأظافر المسطحة في الإبهام، وهو ما منح نسلها قدرة نوعية ساعدتها على اجتياح البيئات المختلفة من الغابات إلى الأراضي العشبية. ومن هنا يظهر كيف ربطت الدراسة بين تنوع القوارض وهيمنتها عبر القارات وبين ذلك التفصيل التشريحي الدقيق.
بين المعيشة فوق الأرض وتحتها: انعكاسات على السلوك
وفي محاولة لفهم المغزى الأوسع، أجرى الباحثون تحليلًا لطبيعة حياة القوارض. فتبين أن الأنواع التي تقضي وقتًا كبيرًا على الأشجار أو فوق الأرض غالبًا انتهت إلى الاحتفاظ بأظافر مسطحة، إذ تسهّل عليهم التسلّق والمناورة وتناول الطعام. أما القوارض الحفّارة التي تمضي حياتها تحت الأرض، فكانت لديها مخالب أكثر حدةً في الإبهام، نظرًا لحاجتها للحفر والنبش باستمرار. هذا التباين يعكس كيف يؤدي التكيف مع البيئة والدور الوظيفي إلى تنويع صفات الأطراف.
ومن هنا، يتضح أن ظفر الإبهام لم يقتصر دوره على تناول الطعام فحسب، بل شمل أيضًا أنماط الحركة والمعيشة، مما عمّق الترابط بين البناء الجسدي واستراتيجيات البقاء.
أوجه التشابه ومفترق الطرق مع الرئيسيات
ومن المدهش أن القوارض ليست وحدها التي امتازت بأظافر إبهام، إذ نجد الرئيسيات – كالبشر والقرود – تشاركها الخاصية نفسها. غير أن التحليل البيولوجي يؤكد أن كلا المجموعتين سلك طريقًا تطوريًا خاصًا؛ فظهرت الأظافر عند كل منهما بشكل مستقل، في ظاهرة معروفة باسم التطور التقاربي، تمنح الحيوان مرونة ودقة في التعامل مع البيئة.
هذا الربط يمنحنا لمحة عن كيف تبدو خطوط التطور أحيانًا متوازية بين مجموعات حيوانية مختلفة، حسب الحاجة والمميزات التي تقدمها بنية الأيدي والأصابع.
ومواصلةً لهذا السياق، نجد أن متاحف التاريخ الطبيعي وجمعيات العينات تقدم فرصًا ذهبية لاكتشاف تفاصيل خفية في علوم الأحياء، ولن يكون مستغربًا إن ظهرت أسرار جديدة بين أروقة مجموعات القوارض الضخمة بالمستقبل.
في النهاية، تظهر لنا هذه الدراسة أن النجاح الباهر للقوارض في استيطان كل النظم البيئية – من الغابات الكثيفة إلى السهول والصحارى – ربما يعود، ولو بجزء غير يسير، إلى هذا الاختلاف الصغير في طرف الإصبع. بين المخلب الحاد والظفر المسطح يكمن سر كبير عن المرونة، القدرة على التأقلم، وتنوع الغذاء. وهكذا قد يصبح أبسط اختلاف تشريحي، أحيانًا، جواز سفر إلى القمة في عالم الحيوان.