البحث الكمومي عن مصدر الزمن يكشف عدم وجود فرق بين الماضي والمستقبل!

3 د
أجرى علماء الفيزياء دراسة بحثية للتحقق مما إذا كان للزمن اتجاه مفضل في ميكانيكا الكم، لكنهم لم يجدوا أي دليل على ذلك.
أكدت النتائج أن الزمن يتدفق إلى الخلف بنفس سهولة تدفقه إلى الأمام على المستوى الكمي، ما يشير إلى تماثل الزمن في قوانين الفيزياء الأساسية.
لم تتعارض هذه النتائج مع القوانين الحرارية، حيث تظل بعض العمليات الفيزيائية، مثل تبريد الأجسام الساخنة، غير قابلة للعكس على نطاق أوسع.
تشير الدراسة إلى احتمال وجود عالم كوني موازٍ حيث يمكن للزمن أن يسير في الاتجاه المعاكس، مما يفتح المجال لنظريات جديدة حول طبيعة الزمن في الكون.
في سعيهم للكشف عن سر تدفق الزمن، أجرى فريق من الفيزيائيين بجامعة ساري البريطانية، يضم توماس جاف، شينتالباتي أومشانكار شاستري، وأندريا روكو، دراسة معمقة للبحث عن أثر واضح للزمن في ما يمكن تشبيهه بـ "حوض استحمام كمي ساخن" داخل الامتداد اللامحدود للأبدية. لكن نتائجهم جاءت مخيبة للآمال؛ إذ لم يعثروا على أي دليل يشير إلى اتجاه محدد لتدفق الزمن، بل على العكس، أكدت النتائج أن الزمن يتدفق إلى الخلف تمامًا كما يتدفق إلى الأمام في عالم ميكانيكا الكم. ومع ذلك، قد تساهم هذه النتائج في المستقبل في تفسير سبب إصرار الفيزياء على وجود التاريخ كما نعرفه.
تماثل الزمن في الفيزياء.. لغز محير
من منظور علمي، الفيزياء بطبيعتها متماثلة فيما يتعلق بالزمن. فرغم أننا لا نرى بيضة متشققة تعود إلى حالتها الأصلية، أو شجرة بلوط تتحول إلى بذرة، فإن القوانين الفيزيائية الأساسية لا تفرض اتجاهًا معينًا للزمن. عند تفكيك العمليات الفيزيائية إلى قوانينها الأولية، لا يوجد أي تفضيل يجعل أحد طرفي المعادلة يشير إلى الماضي والآخر إلى المستقبل.
على مدار العقود الماضية، بحث العلماء عن تفسيرات لهذا اللغز. نظر علماء الكونيات إلى كيفية توسع الكون من حالة ذات طاقة منخفضة إلى طاقة عالية، بينما تساءل فيزيائيو الكم عما إذا كان تزايد تشابك الجسيمات مع البيئة المحيطة يلعب دورًا في هذه الظاهرة. ومع ذلك، لم تظهر أي فرضية توضيحية واضحة تفسر لماذا يتمتع الزمن بهذا الانسجام والاتجاه الواحد في عالمنا المحسوس.
اختبار إمكانية عكس الزمن في ميكانيكا الكم
تساءل الباحثون الثلاثة عما إذا كانت معادلات الحركة الكمية قد تحتوي على آلية تمنع العودة إلى حالة سابقة، تعمل كنوع من "المسطرة الزمنية" التي تضمن عدم انزلاق قوانين النظام إلى الوراء. وللتحقق من ذلك، استخدموا نموذجًا رياضيًا يُعرف بسلسلة ماركوف لوصف نموذج مبسط لجسيمات مسخنة تتحرك داخل حاوية مفتوحة.
تعتمد الديناميكيات الماركوفيانية على فرضية عدم امتلاك النظام لأي ذاكرة للماضي، بحيث يعتمد كل وضع جديد للجسيمات داخل النظام على الحالة السابقة فقط. نظريًا، يمكن لهذا النموذج أن يسمح للجسيمات بالتحرك إلى الأمام نحو المستقبل أو العودة إلى الماضي بنفس السهولة.
عند فحص معادلات هذه المنظومة، لم يتمكن العلماء من العثور على أي مؤشر يدل على أن تماثل الزمن يتعارض مع كيفية تطور النشاط الكمومي. وبهذا، تشير النتائج إلى أن "ذاكرة" النظام الماركوفياني لا تفضل اتجاهًا معينًا بين الماضي والمستقبل.
الزمن على المستوى الكمي.. هل يمكن أن يكون ثنائي الاتجاه؟
يعلق الفيزيائي أندريا روكو، أحد مؤلفي الدراسة، قائلاً:
"تشير نتائجنا إلى أنه، على الرغم من أننا نختبر الزمن في اتجاه واحد فقط، إلا أن الاتجاه المعاكس كان يمكن أن يكون ممكنًا بنفس الدرجة".
لكن على الرغم من هذه النتيجة، فإن العالم المحسوس لا يسمح بانعكاس الزمن بهذه البساطة. ففي تجربة عملية، إذا تركنا حمامًا ساخنًا تحت السماء المفتوحة، فإنه سيبرد تدريجيًا بسبب انتقال الحرارة إلى الفضاء الخارجي. لا تتعارض هذه النتائج مع القانون الثاني للديناميكا الحرارية، الذي ينص على أن الأنظمة تتجه نحو زيادة في العشوائية (الإنتروبيا) بمرور الوقت، مما يجعل بعض العمليات الفيزيائية غير قابلة للعكس.
إلا أن البحث يقترح أنه، على المستوى الكمي، قد لا يكون هناك سبب جوهري يجعل أحد الاتجاهين أكثر تفضيلًا من الآخر من حيث الديناميكا الحرارية. وإذا كانت هذه الفرضية صحيحة، فقد يكون إدراكنا للزمن كاتجاه واحد مجرد نتيجة لظروف كونية أوسع، ربما يكون لها وجه آخر على الجانب المقابل للانفجار العظيم، حيث يمكن للزمن أن "يتذكر" المستقبل كما يتذكر الماضي.
كل هذه الدراسات القائمة على الكم تقرض علينا سؤال واحد، هل سيكون الك قادرًا على تفسير كل ما كان من المستحيل في الماضي؟ وهل ستكون تلك التفسيرات حقيقية أم أنها ستبقى مجرد فرضيات، خاصةً مع الحديث عن آلة كمومية قد تتنبأ بالمصير النهائي للكون، فهل هذا ممكن حقًا؟