ذكاء اصطناعي

“البرق المجهري”.. الظاهرة التي تساعد العلماء في حل سؤال محوري حول “نشأة الحياة”

فريق العمل
فريق العمل

3 د

كشفت دراسة حديثة أن "البرق المجهري" الناجم عن تفاعلات في قطرات الماء قد يكون مفتاحًا لتفسير كيفية نشأة المركبات العضوية الضرورية للحياة.

أظهرت التجارب أن شرارات كهربائية صغيرة يمكنها تحفيز تكوين أحماض أمينية ومركبات نووية مثل اليوراسيل والجلايسين.

تشير النتائج إلى أن رشاشات الماء في البيئة البدائية للأرض قد تكون ساهمت في نشوء الحياة، دون الحاجة إلى البرق العنيف.

تعزز هذه النتائج فرضية إمكانية نشوء الحياة في أماكن أخرى من الكون، حيث تتواجد ظروف مشابهة من رذاذ الماء والغازات المناسبة.

لطالما ارتبطت نشأة الحياة بالبرق الذي يضرب العواصف العاتية، لكن دراسة جديدة تشير إلى أن شرارة الحياة قد تكون وُلدت في توهجات ناعمة تنبعث من الضباب البحري المتحرك بلا انقطاع.

كشف باحثون من جامعة ستانفورد عن ظاهرة أطلقوا عليها "البرق المجهري"، والتي يمكنها إنتاج المركبات العضوية الضرورية للحياة، مما يضع تفسيرًا أكثر لطفًا مقارنة بالنموذج التقليدي المعروف بتجربة ميلر-يوري، التي لطالما كانت موضع جدل بين العلماء في مجال نشأة الحياة.

تظهر التجارب الحديثة أن رذاذ الماء المشحون يمكنه تبادل الإلكترونات عبر شرارات ضوئية دقيقة، مما يؤدي إلى تأيين الغازات المحيطة وتشجيع ارتباط الكربون والنيتروجين في مركبات أكبر.

وعلى الرغم من أن هذه النتائج لا تقدم إجابة نهائية حول كيفية اندماج الجزيئات الأساسية لتشكيل الخلايا الأولى القادرة على التكاثر، إلا أنها تطرح مسارًا جديدًا محتملاً لتكوين اللبنات الجزيئية التي تشكل البروتينات والحمض النووي.

يقول البروفيسور ريتشارد زاري، الكيميائي والمعد الرئيسي للدراسة:


"التفريغات الكهربائية المجهرية بين قطرات الماء المشحونة بشكل متعاكس تنتج جميع الجزيئات العضوية التي تم رصدها سابقًا في تجربة ميلر-يوري. نحن نقترح أن هذه الآلية قد تكون طريقة جديدة للتخليق الكيميائي الحيوي قبل نشأة الحياة."


تجربة ميلر-يوري وإعادة النظر في فرضيات نشأة الحياة

في عام 1952، أجرى الكيميائي الأمريكي ستانلي ميلر، تحت إشراف الحائز على جائزة نوبل هارولد يوري، سلسلة من التجارب الشهيرة التي أظهرت إمكانية تكوين الأحماض الأمينية - وهي اللبنات الأساسية للبروتينات - من خلال تمرير شرارة كهربائية عبر خليط من الغازات البدائية مثل الميثان والأمونيا وبخار الماء.

على الرغم من أن هذه التجربة شكلت حجر أساس في دراسة كيفية نشوء المركبات العضوية من عناصر بسيطة دون الحاجة إلى تدخل الحياة، فإن مدى مطابقة ظروفها مع بيئة الأرض البدائية ظل موضع نقاش علمي واسع.

بينما يُعتقد أن البرق قد يكون مصدرًا محتملاً للطاقة اللازمة لحدوث هذه التفاعلات الكيميائية، فإن اتساع المحيطات وعمقها يعني أن تحويلها إلى حساء عضوي غني بالمركبات الحية كان سيتطلب نشاطًا كهربائيًا هائلًا ومستمرًا على مدى حقب طويلة.


البرق المجهري: قوة خفية في رذاذ الماء

استلهم زاري وزملاؤه دراستهم من أبحاث حديثة كشفت أن الجهد الكهربائي بين قطرات الماء الدقيقة يمكن أن يحفز تثبيت النيتروجين وتحويله إلى أكاسيد نيتروجينية. ومن هنا، أجرى الفريق تجاربهم الخاصة لاختبار مدى قدرة هذا التأثير على تكوين المركبات العضوية الضرورية للحياة.

وباستخدام تقنيات تصوير عالية السرعة، لاحظ العلماء انبعاث فوتونات ضوئية صغيرة عندما قفزت الإلكترونات بين قطرات الماء المختلفة الأحجام والشحنات. وأطلقوا على هذه الظاهرة اسم "البرق المجهري".

وعلى الرغم من صغر حجم هذه الشرارات، إلا أنها تحمل طاقة مركزة في مساحة ضئيلة للغاية. وعند رش قطرات الماء في خليط غازي مكون من النيتروجين والميثان والأمونيا وثاني أكسيد الكربون، رصد الباحثون تكوين جزيئات عضوية معقدة مثل حمض اليوراسيل النووي، والأحماض الأمينية كالجلايسين، ومركب سيانيد الهيدروجين الذي يُعد مقدمة لتكوين المزيد من المركبات العضوية الأساسية.


إمكانية الحياة خارج الأرض؟

لا تعني هذه النتائج استبعاد الطرق الأخرى المحتملة لنشأة الحياة، مثل تأثيرات الصواعق، أو الصدمات الناتجة عن اصطدام النيازك، أو حتى المركبات العضوية التي قد تكون جاءت على متن المذنبات. بل على العكس، تعزز هذه النتائج فكرة أن الكيمياء الحيوية قد تكون ظاهرة حتمية في الكون.

إذا كان مجرد اصطدام الماء بالهواء في ظروف مناسبة قادرًا على توليد مركبات عضوية، فإن احتمالية وجود الحياة في أماكن أخرى من الكون تصبح أقوى، خاصة في البيئات التي تتوفر فيها ضبابيات مائية مماثلة داخل الغلاف الجوي لكواكب أخرى.

ذو صلة

يقول زاري:


"في الأرض البدائية، كانت هناك رشاشات مائية في كل مكان، سواء في الشقوق الجيولوجية أو ضد الصخور، مما كان يمكن أن يراكم هذه التفاعلات الكيميائية ويفتح المجال أمام نشوء الحياة. أعتقد أن هذه الدراسة تتجاوز العديد من التحديات التي تواجه فرضية ميلر-يوري."

ذو صلة