ذكاء اصطناعي

الصحة العالمية: مقاومة المضادات تتضاعف في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط — والطب الحديث في سباق مع الزمن.

محمد كمال
محمد كمال

3 د

منظمة الصحة العالمية تحذر من تفاقم مقاومة المضادات الحيوية عالميًا في 2023.

الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا يسجلان أعلى نسب مقاومة البكتيريا للعلاج.

تزايد المقاومة للبكتيريا مثل الإشريكية القولونية يجعل خيارات العلاج محدودة.

يتزايد عدد الدول المشاركة في نظام المراقبة، ولكن ما زالت البيانات ناقصة.

التعاون الدولي وتوسع شبكات الرصد ضروريان لمواجهة هذا التحدي الصحي.

في تقرير حديث صدر عن منظمة الصحة العالمية، كُشف أن واحداً من كل ست إصابات بكتيرية مؤكدة في مختبرات العالم عام 2023 لم تستجب للعلاج بالمضادات الحيوية التقليدية. هذا الرقم المقلق، الذي يستند إلى بيانات من أكثر من مئة دولة، يسلّط الضوء على أزمة صحية آخذة في التصاعد تهدد فعالية واحدة من أهم أدوات الطب الحديث.

هذا التحذير يعيد إلى الواجهة النقاش حول ما يُعرف بـ مقاومة المضادات الحيوية، وهي ظاهرة تجعل البكتيريا تتطور لتصبح أكثر صلابة أمام العلاجات المعتادة، مما يزيد من خطر العدوى المزمنة والمميتة.


انتشار المقاومة في مناطق حرجة

ويبيّن التقرير أن أعلى معدلات المقاومة ظهرت في منطقتي جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط، حيث أظهرت التحاليل الميدانية أن ثلث الإصابات المسجلة كانت مقاومة للعلاج. أما في القارة الإفريقية، فالنسبة بلغت واحداً من كل خمسة مصابين. هذه الأرقام، كما تقول المنظمة، تعبّر عن فجوات واضحة في البنية الصحية، من نقص المختبرات التشخيصية إلى محدودية الوصول إلى أدوية فعّالة ومضمونة الجودة.

وهذا يربط بين الجغرافيا والجاهزية؛ فالمناطق التي تعاني ضعفاً في البنية التحتية الصحية تسجّل أيضاً أعلى نسب المقاومة، مما يدل على أن القدرات التشخيصية ونُظم المراقبة هما خط الدفاع الأول في هذه المعركة العالمية.


بكتيريا خارقة تهدد الطب الحديث

التقرير أشار بوضوح إلى ارتفاع خطير في مقاومة أنواع بكتيرية تُعرف بأنها سالبة الجرام مثل الإشريكية القولونية (E. coli) والكلبسيلة الرئوية (K. pneumoniae)، وهما من أبرز المسبّبات لالتهابات الدم الخطيرة. أكثر من 40٪ من سلالات الإشريكية و55٪ من الكلبسيلة أصبحت غير مستجيبة للمضادات من الجيل الثالث مثل السيفالوسبورينات، بل وتجاوزت نسبة المقاومة في إفريقيا 70٪.

ومع ضعف فعالية أدوية إنقاذ الحياة مثل الكاربابينيم والفلوروكينولونات أمام بعض السلالات، تضيق خيارات العلاج أكثر فأكثر، في حين ترتفع الأسعار ويزداد الاعتماد على بدائل نادرة أو أقل توفراً في الدول متوسطة ومنخفضة الدخل.


جهود دولية وتعاون متعدد القطاعات

وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن عدد الدول المشاركة في نظام المراقبة العالمي للمقاومة (GLASS) ارتفع من 25 دولة عام 2016 إلى أكثر من 100 دولة اليوم، إلا أن ما يقارب نصف هذه البلدان ما زال يفتقر إلى بيانات موثوقة. ولهذا شددت المنظمة على أهمية التوسع في شبكات الرصد وتبادل المعلومات لضمان صورة واقعية عن الوضع.

وهذا يعيدنا إلى جوهر المشكلة: غياب بيانات دقيقة يعرقل تصميم سياسات علاجية فعالة. لذا، دعت الأمم المتحدة عبر إعلانها السياسي لعام 2024 إلى اعتماد نهج “صحة واحدة” الذي يجمع بين الإنسان والحيوان والبيئة لمعالجة هذه الظاهرة المعقدة من جذورها.


دعوة للتحرك قبل فوات الأوان

ذو صلة

تختم منظمة الصحة العالمية تقريرها بدعوة جميع الدول إلى الإبلاغ المنتظم عن حالات المقاومة بحلول عام 2030، والعمل على مواءمة بروتوكولات العلاج مع أنماط المقاومة المحلية. كما حثت الحكومات على الاستثمار في اللقاحات والأدوية الجديدة والتشخيص السريع، بوصفها الأدوات الأنجع لمستقبل آمن من العدوى القاتلة.

في النهاية، يبدو أن المعركة ضد البكتيريا المقاومة ليست معركة دواء فحسب، بل هي اختبار لإرادة العالم في حماية مكتسبات الطب الحديث وضمان حق كل إنسان في علاج فعّال وآمن.

ذو صلة