الصين تُطلق مشروعاً طموحاً لبناء محطة طاقة شمسية في الفضاء: خطوة نحو مستقبل طاقة لا نهائي

3 د
تخطط الصين لبناء محطة طاقة شمسية عملاقة في الفضاء على ارتفاع 36 ألف كيلومتر خلال 25 عاماً.
ستولد المحطة الطاقة باستمرار طوال العام، دون تأثر بالطقس أو الليل، بكفاءة تفوق الأنظمة الأرضية.
يتطلب المشروع صواريخ ثقيلة متعددة لإطلاق مكوناته، والصين تطور "لونغ مارش-9" لهذا الغرض.
يمثل هذا المشروع بداية سباق عالمي جديد نحو مصادر طاقة فضائية، بمشاركة الصين واليابان ووكالات أوروبية.
في مشهد يعكس طموح الصين المتصاعد في ميدان الطاقة والفضاء، أعلنت بكين عن خطط لبناء محطة طاقة شمسية ضخمة في مدار الأرض، على ارتفاع 36,000 كيلومتر، خلال الـ 25 عاماً القادمة. هذا المشروع غير المسبوق يَعِد بتوفير مصدر شبه لا نهائي للطاقة، ويعيد تشكيل ملامح السباق العالمي نحو مصادر الطاقة المتجددة.
محطة بحجم "سد الممرات الثلاث"
في محاضرة ألقاها العالم الصيني البارز "لونغ ليهاو"، العضو في الأكاديمية الصينية للهندسة، وصف المشروع قائلاً:
"إنه يعادل نقل سد الممرات الثلاث إلى مدار ثابت حول الأرض"، في إشارة إلى أكبر سد كهرومائي في العالم، والذي يقع على نهر اليانغتسي ويُعد إنجازاً هندسياً هائلاً بطاقة تفوق نظيرتها في سد هوفر الأميركي بأكثر من عشرين ضعفاً.
لكن طموح الصين هذه المرة لا يرتبط بالنهر، بل بالنجوم. فالمشروع الجديد يسعى إلى بناء مصفوفة شمسية عملاقة في الفضاء تُجمع فيها أشعة الشمس وتُحوّل إلى طاقة كهربائية، ثم تُبث إلى الأرض على شكل موجات ميكروويف، يتم التقاطها بواسطة هوائيات ضخمة على سطح الأرض وتحويلها إلى كهرباء تُغذي الشبكات المحلية.
طاقة شمسية فضائية: لماذا الفضاء وليس الأرض؟
محطات الطاقة الشمسية الأرضية تعاني من محدوديات واضحة، أبرزها تعاقب الليل والنهار، وتقلبات الطقس. أما في الفضاء، فإن أشعة الشمس لا تنقطع تقريباً، ما يسمح بتوليد طاقة مستمرة على مدار 99% من السنة، بحسب دراسة حديثة أجرتها وكالة ناسا.
كما أن كثافة ضوء الشمس في الفضاء تفوق مثيلتها على سطح الأرض بعدة أضعاف، ما يجعل كفاءة توليد الطاقة أعلى بكثير. ووفقاً للعالم ليهاو، فإن الطاقة التي ستُجمع خلال سنة واحدة من عمل هذه المحطة قد تعادل إجمالي النفط القابل للاستخراج من كوكب الأرض.
التحدي الحقيقي: الحجم والتكلفة
رغم هذا المستقبل المشرق، فإن المشروع يواجه تحديات ضخمة، أبرزها الحجم الهائل للمحطة، التي من المتوقع أن يصل عرضها إلى كيلومتر كامل عند اكتمالها. ووفقاً لصحيفة South China Morning Post، وصف كثيرون هذا المشروع بأنه "مشروع مانهاتن" الخاص بعالم الطاقة، في إشارة إلى البرنامج الأميركي السري الذي طور القنبلة الذرية.
عملية بناء محطة بهذا الحجم في المدار ستتطلب عشرات - وربما مئات - من عمليات الإطلاق الفضائي، كما حدث مع بناء محطة الفضاء الدولية. ومع أن تكلفة الإطلاق تتراجع تدريجياً، إلا أن العبء المالي واللوجستي يظل ضخماً.
الحل الصيني: صاروخ "المسيرة الطويلة-9"
لتجاوز هذا العائق، تعمل الصين حالياً على تطوير صاروخ ثقيل قابل لإعادة الاستخدام يُعرف باسم "لونغ مارش-9" (المسيرة الطويلة-9)، بقدرة رفع لا تقل عن 150 طناً—أي ما يعادل وزن حوت أزرق بالغ. هذا الصاروخ سيكون مفتاحاً أساسياً لنقل أجزاء المصفوفة الشمسية إلى الفضاء وتركيبها في المدار.
سباق فضائي جديد... في مجال الطاقة
ليست الصين وحدها في هذا الميدان؛ فاليابان تخطط لاختبار أول بث فضائي للطاقة الشمسية إلى الأرض خلال العام القادم. كما أن وكالة الفضاء الأوروبية تدرس جدوى مشاريع مماثلة، ما يشير إلى أن محطات الطاقة الشمسية الفضائية قد تصبح الساحة التالية في سباق الفضاء العالمي، بعد محطات الفضاء والمسابير القمرية.
وتسعى الصين أيضاً إلى تعزيز وجودها الفضائي من خلال خططها لإنشاء محطة أبحاث دولية على سطح القمر بالتعاون مع روسيا بحلول عام 2035، ضمن رؤية استراتيجية طويلة الأمد تشمل تطوير مصادر طاقة متجددة وعابرة للكواكب.
هل نحن أمام ثورة في الطاقة؟
من الواضح أن بناء محطة طاقة شمسية في الفضاء لم يعد حلماً علمياً، بل مشروعاً قيد الدراسة والتنفيذ، يحمل في طياته إمكانية إنهاء اعتماد البشرية على مصادر الطاقة الأحفورية. لكنه في الوقت ذاته، يتطلب جهوداً دولية هائلة، وتكنولوجيا متقدمة، وتمويلاً ضخماً.
إن نجحت الصين، فقد نكون أمام تحول جذري في معادلة الطاقة العالمية، ومرحلة جديدة من الابتكار الذي يربط الفضاء مباشرة بالبنية التحتية للطاقة على الأرض.