ذكاء اصطناعي

تحالف غريب في أعماق البحر: سمكة تحمل شقائق نَعمان سامة لحماية نفسها

محمد كمال
محمد كمال

3 د

الصغار الأسماك تستخدم يرقات شقائق النعمان كدروع للحماية من المفترسات.

الدراسة نُشرت في *مجلة علم أحياء الأسماك* وفتحت مجالاً لفهم جديد للتكافل البحري.

توثق العلاقة بين الأسماك الصغيرة واليرقات قد تظهر تنوع التفاعلات في المحيط المفتوح.

اليرقات تستفيد من حركة الأسماك للانتقال لمسافات أكبر، مما يعزز فرصها.

تقنية تصوير "الغوص الليلي الأسود" كشفت عن تفاعلات بيولوجية غير متوقعة في الظلام.

في ظلمات المياه قبالة سواحل فلوريدا وتاهيتي، ينساب صغار الأسماك، التي لا يتجاوز طولها بضعة سنتيمترات، بين التيارات وهي تمسك ببراثنها يرقات شقائق نعمان بحرية سامة. مشهد مذهل يرسم ملامح علاقة لم يرصدها العلماء من قبل، علاقة يبدو فيها أن تلك الكائنات الصغيرة تستخدم اللافقاريات السامة كدروع متنقلة تقيها المفترسات.

هذا الاكتشاف اللافت نُشر حديثاً في مجلة علم أحياء الأسماك (Journal of Fish Biology) بمشاركة باحثين من معهد فيرجينيا لعلوم البحار ومتحف فلوريدا للتاريخ الطبيعي ومؤسسة سميثسونيان. الدراسة فتحت باباً جديداً لفهم **التكافل البحري وأساليب البقاء غير المألوفة في المحيط المفتوح.

وهذا الربط بين سلوكيات الأسماك الصغيرة والأنظمة البيئية المعقدة يسلّط الضوء على مرونة الحياة البحرية أمام أخطار الطبيعة.


شراكة ميدانية غير مسبوقة

يقول الباحث غابرييل أفونسو، المشرف على الدراسة، إن هذه هي المرة الأولى التي تُوثّق فيها علاقة مباشرة من نوعها بين أسماك فتية تعيش في البحر المفتوح ويرقات شقائق نعمان بحرية. وقد لاحظ فريقه أن أربعة أنواع من الأسماك — من بينها أسماك الخيشوم الملفوف وأسماك البومفريت — كانت تمسك أو ترافق يرقات أنيموناتٍ وأنواعاً من البوليبات ذات اللدغة السامة.

خلال عمليات الغوص الليلية المعروفة باسم “السواد البحري”، وثّق علماء الأحياء وسكان أعماق البحار اللقطات المذهلة بعدسات المصور ريتش كولينز، الذي قال إن بعض الأسماك لم تسبح إلى جوار اللافقاريات فحسب، بل كانت تحملها بالفعل في أفواهها وكأنها سلاح.

هذا الاكتشاف يشير إلى أن التكافل بين المخلوقات البحرية قد يكون أكثر تنوعاً مما اعتُقد، وهو ما يمهّد الطريق لفهم أعمق لعلاقات الكائنات في المياه المفتوحة.


حماية مقابل التنقّل

مشاهد أخرى أظهرت أسماكاً تستخدم زعانفها أو أجسادها لتثبيت هذه اليرقات. حتى أن إحداها وُجدت تمسك باليرقة بين أشعة زعانفها الحوضية، فيما تبنت أخرى وضعاً دفاعياً واضحاً، وكأنها تدرك قيمة هذا الدرع المؤلم لمن يقترب منها.

اللافت أن هذه العلاقة لا تعود بالنفع على الأسماك وحدها؛ فاليرقات البطيئة الحركة تستفيد من سرعة الأسماك الصغرى، فتتنقّل لمسافات أكبر، مما يزيد فرصها في العثور على مكان مناسب للاستقرار والنمو.

وهذا التبادل بين الحماية والتنقّل يعبّر عن تكافل متبادل أو ما يسمّى بـ"التعايش المنفعي"، وهو أحد أوجه التعاون الطبيعي الذي يمنح الطرفين امتيازاً تطورياً.


مصائد الضوء في قلب الظلام

اعتمد العلماء على تقنية فريدة تُعرف بتصوير "الغوص الليلي الأسود"، حيث يهبط الغواصون إلى أعماق سحيقة في المحيط مستخدمين أضواء قوية لجذب الكائنات العالقة مثل اليرقات والقشريات. في ذلك الوميض البارد، التُقطت الصور التي كشفت عالمَاً خفياً من الترابطات البيولوجية الدقيقة، ربما ما كان ليتكشف باستخدام شباك الصيد التقليدية.

توضح هذه المقاطع الفوتوغرافية أن التكافل في أعماق المحيط ليس محصوراً بين الأسماك وقناديل البحر كما كان يُعتقد، بل يمتد ليشمل شقائق النعمان وأنواعاً أكثر تعقيداً من الكائنات اللافقارية.

وهذا يعكس كيف يمكن للتكنولوجيا الحديثة والمغامرات العلمية المشتركة أن تفتح آفاقاً جديدة في دراسة السلوك البحري.


تعاون علمي ومواطِني لفتح غموض البحر

يؤكد أفونسو وزملاؤه أن ما تحقق لم يكن ممكناً لولا تزايد الاهتمام بما يُعرف بـ“علم المواطن”، أي مساهمة الغواصين والمصورين المحترفين في رصد الظواهر البيئية ونقلها إلى المختبرات. الصور التي يسجلها هؤلاء لمخلوقات الأسماك القزمة تقدم أدلة حيّة على تفاعلات لم تكشفها العين البشرية من قبل.

ذو صلة

رؤية فريق البحث تشير إلى أن المحيط ما زال يحمل أسراراً لا حصر لها، وأن حتى أبسط المشاهد قد تعيد تشكيل فهمنا لتاريخ الحياة البحرية.

قد يبدو مشهد سمكة صغيرة تحمل شقيقة نعمان سامة أمراً عجيباً، لكنّه يكشف وجهاً جديداً من عبقرية الطبيعة في أسلوبها الدفاعي. في عالم لا يرحم الضعفاء، تتشكّل تحالفات غير متوقعة، يكسب فيها كل طرف فرصته للبقاء. وبين ظلام البحر وظلاله، تزدهر قصص تكافل مذهلة تؤكد أن التعاون لا يحتاج إلى وعي بقدر ما يحتاج إلى غريزة للبقاء.

ذو صلة