تفاحة نيوتن تسقط مجددًا… لكن هذه المرة لتفجر ثورة في عالم الطاقة

4 د
تمثل بطاريات الجاذبية تطورًا مبتكرًا لتخزين الطاقة المتجددة عبر استغلال قوة الجاذبية.
تعتمد الفكرة على استخدام الطاقة الفائضة من الشمس والرياح لرفع أوزان ثقيلة.
تهبط الأوزان لاحقًا لتوليد طاقة كهربائية قابلة للاستخدام عند الحاجة.
تتوجه الجهود لإحياء المناجم المهجورة، مما يساهم اقتصاديًا وبيئيًا في المجتمعات المحلية.
قد تواجه هذه التقنية تحديات مالية، لكنها تُعد واعدة لمستقبل طاقة نظيفة ومستدامة.
منذ أن نشر العالم البريطاني إسحاق نيوتن نظريته الشهيرة حول الجاذبية عام 1687، بدت هذه القوة الأساسية لغزًا ساحرًا للعالم. واليوم، بعد أكثر من ثلاثة قرون من الدراسات والأبحاث، يعود العلماء للاستفادة من ظاهرة الجاذبية، ولكن هذه المرة لإحداث نقلة نوعية في مجال الطاقة المتجددة ومكافحة تغير المناخ. فما هي "بطاريات الجاذبية"، ولماذا يعتبر الكثيرون أنها ستكون الحل المستقبلي لمشاكلنا في مجال الطاقة؟
ما هي بطاريات الجاذبية وكيف تعمل؟
قد يبدو المصطلح غريبًا للوهلة الأولى، لكن فكرة "بطارية الجاذبية" بسيطة جدًا وعملية للغاية في نفس الوقت. الفكرة بكل بساطة هي استغلال طاقة الجاذبية لتخزين الكهرباء. عندما نولد طاقة متجددة من مصادر مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، ولا يكون هناك طلب فوري على هذه الطاقة، نستخدمها في تشغيل رافعات كهربائية ترفع أوزانًا ثقيلة إلى مكان مرتفع. وعندما نحتاج للطاقة لاحقًا، نطلق هذه الأوزان لتتحرك هابطةً بفعل الجاذبية، وهذه الحركة الهبوطية تتحول إلى طاقة ميكانيكية تُحَرِّك مولدات كهربائية، محولة بذلك طبيعة التخزين الفيزيائية إلى طاقة كهربائية جاهزة للاستخدام.
تحويل المناجم المهجورة إلى مستودعات للطاقة
واحدة من أكثر الأفكار ابتكارًا في هذه التقنية هي إعادة استغلال مناجم الفحم أو المعادن القديمة التي توقفت عن العمل منذ زمن بعيد. فتلك المناجم التي كانت قد جرى التخلي عنها ولم تعد سوى مصدر إزعاج بيئي واقتصادي، بدأت اليوم تكتسب أهمية خاصة في مجال تخزين الطاقة.
فهذه المناجم المهجورة تضم بئرًا عميقًا بما يكفي لتثبيت الأوزان الثقيلة في عمق الأرض، وبواجهة عمودية جاهزة للاستخدام، دون الحاجة لإنشاء منشآت جديدة. وبفضل هذه الطريقة، يقلل الخبراء التكاليف المالية والبصمة البيئية التي عادةً ما تأثرت ببناء منشآت جديدة.
ليس هذا وحده، بل يعطي إعادة إحياء هذه المناجم القديمة فائدة إضافية مهمة تتمثل في خلق فرص عمل جديدة داخل المناطق التي كانت تعاني اقتصاديًا، مما يسهم في تطوير البلديات والمجتمعات المحيطة ورفع مستوى معيشة المواطنين هناك.
فوائد عديدة ومستقبل واعد
في الحقيقة، بطاريات الجاذبية تتمتع بعدة مزايا مهمة قد تجعلنا نعتمد عليها بصورة كبيرة في المستقبل. فرغم بساطة فكرتها، تقضي هذه الطريقة على أهم مشكلة تواجه الطاقات المتجددة، وهي التقطّع وعدم الاستقرارية. المعروف أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لا يمكن ضمان توفرها بشكل دائم (فالطقس متغير، والشمس تغيب)، لذا يُمكن لتقنية تخزين الطاقة عن طريق الجاذبية أن تحافظ على الكهرباء الزائدة في الأوقات التي تكثر بها الطاقة الشمسية والرياح، ثم تخزنها لفترات طويلة لاستخدامها في الأوقات التي يقل فيها الإمداد الطبيعي.
إضافةً إلى ذلك، فعمر بطاريات الجاذبية الافتراضي يتفوق بكثير على بطاريات الليثيوم والبطاريات الكيميائية الأخرى، فهي لا تعتمد على تفاعلات كيميائية يصيبها الضعف مع الوقت، ولا تحتاج إلى مواد خطرة ملوثة. وبهذا المعنى، فإنها نظام مستدام غير ضار بالبيئة ويتمتع برخص نسبي فيما يتعلق بالصيانة والتشغيل.
تحديات على الطريق نحو التطبيق الواسع
لكن، كما الحال مع أي ابتكار جديد، توجد تحديات هامة يجب التغلب عليها قبل تحقيق الانتشار الواسع لهذه التقنية الواعدة. حاليًا، العقبة الأكبر التي تواجه بطاريات الجاذبية هي التكلفة الأولية المرتفعة المطلوبة لإعداد مثل هذه الأنظمة الكبيرة. بالرغم من ذلك، يتوقع الخبراء أن هذه التكاليف ستنخفض مع نمو السوق والتقدم التكنولوجي.
وفي إطار الوصول إلى تقنية أكثر فعالية وكفاءة، يقوم العلماء بدراسات متواصلة لإيجاد أنسب المواد لاستخدامها كأوزان، وكذلك تحسين تصميم الرافعات والمولدات وأنظمة التحكم، وهو ما يتطلب تعاونًا موسعًا بين الشركات والمؤسسات الأكاديمية والجهات الحكومية.
المستقبل: الجاذبية والطاقة النظيفة جنبًا إلى جنب
في النهاية، ها نحن نعود مرة أخرى إلى نقطة البداية مع إسحاق نيوتن، الذي لم يكن يعلم ربما أن قانون الجاذبية الذي وضعه سيكون ذا تأثير بالغ بعد مئات السنين في تخزين الطاقة المتجددة ومواجهة التلوث المناخي. إن بطاريات الجاذبية تمثل نقلة حقيقية نحو عالم يعتمد على الطاقة النظيفة والمستدامة بقدر المستطاع.
ومن يدري؟ ربما مع الوقت يصبح استغلال الجاذبية ليس مجرد فكرة فيزيائية بسيطة، إنما وسيلة حقيقية وفعّالة تساعدنا على تحقيق مستقبل خال من الانبعاثات ومستدام بيئيًا. الأيام وحدها سترينا مدى نجاح هذه التقنية، ولكن حتى الآن، تبدو الخطوات إيجابية والأمل كبيرًا بأن يشهد العالم ثورة جديدة في الطاقة بفضل "الجاذبية".