ثورة في أبحاث الاندماج النووي: إنجاز علمي جديد في التنبؤ باضطرابات البلازما

3 د
نجح العلماء في التحقق من دقة كود المحاكاة "GENE" في التنبؤ باضطرابات البلازما داخل مفاعلات الاندماج النووي.
تساعد هذه النتائج في تحسين احتواء الطاقة داخل البلازما، مما يعزز من كفاءة المفاعلات الاندماجية.
أثبتت الدراسة، التي نُشرت في Nature Communications، لأول مرة تطابقًا كاملًا بين البيانات التجريبية والمحاكاة.
يُعتبر هذا الإنجاز خطوة مهمة نحو تحقيق حلم طاقة اندماجية مستدامة، مما قد يُحدث ثورة في مجال الطاقة النظيفة.
في خطوة بارزة نحو تحقيق طاقة اندماجية مستدامة، نجح فريق من الباحثين في التحقق من دقة كود المحاكاة "GENE" بشكل غير مسبوق، مما يسهم في تحسين أداء البلازما داخل محطات الطاقة الاندماجية. هذه النتيجة تمثل إنجازًا كبيرًا في مجال أبحاث الطاقة، حيث تؤكد إمكانية تحسين عمليات احتواء الطاقة في مفاعلات الاندماج.
الاندماج النووي: أمل البشرية في طاقة نظيفة بلا حدود
يُعتبر الاندماج النووي، وهو عملية دمج نوى الذرات الخفيفة لإطلاق كميات هائلة من الطاقة، المفتاح الرئيسي للحصول على مصدر طاقة نظيف ومستدام. تعتمد تقنية الاندماج الأكثر تقدماً، والمعروفة باسم "الاحتواء المغناطيسي"، على حصر البلازما – وهو غاز مؤين مسخّن إلى درجات حرارة تصل إلى ملايين الدرجات المئوية – داخل مجال مغناطيسي. لتحقيق إنتاج طاقة مستدام، يجب أن تتمكن البلازما من الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الطاقة، وهو ما يتطلب فهمًا دقيقًا لكيفية التحكم في الاضطرابات داخلها.
توضح الدكتورة كلارا هوفلر، الفيزيائية في معهد ماكس بلانك لفيزياء البلازما (IPP)، أن اضطراب البلازما يمكن أن يكون مفيدًا وضارًا في آنٍ واحد. فمن ناحية، يساعد في نقل نوى الهيليوم، وهي النواتج الثانوية لتفاعل الاندماج، إلى خارج البلازما.
لكن من ناحية أخرى، يمكن أن تؤدي الاضطرابات الزائدة إلى فقدان الطاقة بسرعة، مما يجعل من الصعب الحفاظ على درجات الحرارة المطلوبة لاستمرار تفاعل الاندماج. ولهذا، يعد تحقيق توازن مثالي بين هذين الجانبين أمرًا حاسمًا لضمان كفاءة واستدامة عمليات الاندماج النووي.
تحديات اضطرابات البلازما وسعي العلماء لفهمها
تُشبه هذه الظاهرة عملية تحريك كوب من القهوة: كلما زادت حركة التقليب، امتزج الحليب بالقهوة بسرعة أكبر، وهو ما يشبه الطريقة التي تسمح بها الاضطرابات بخروج الطاقة من البلازما بمعدل مرتفع. لطالما سعى العلماء إلى إيجاد طرق للتحكم في هذه الاضطرابات بهدف تحسين احتواء الطاقة داخل البلازما، وهو ما يُعد عنصرًا أساسيًا في تشغيل مفاعلات الاندماج النووي.
من أجل دراسة هذه الظاهرة عن كثب، استخدمت الدكتورة هوفلر وزملاؤها في معهد "IPP" المعدات التشخيصية المتقدمة الموجودة في جهاز "ASDEX Upgrade" لمراقبة الاضطرابات داخل البلازما بدقة غير مسبوقة. تم قياس تقلبات درجات الحرارة والكثافة داخل البلازما، ثم تمت مقارنة هذه البيانات مع نتائج المحاكاة التي تم إجراؤها باستخدام كود "GENE"، وهو أحد أكثر أنظمة المحاكاة تقدمًا في العالم في مجال أبحاث البلازما.
إنجاز غير مسبوق في محاكاة اضطرابات البلازما
تمثل الدراسة، التي نُشرت في مجلة Nature Communications، لحظة فارقة في أبحاث الاندماج النووي، حيث نجح الباحثون لأول مرة في تحقيق تطابق كامل بين البيانات التجريبية ونتائج محاكاة كود "GENE". هذا الإنجاز لم يكن ممكنًا إلا بفضل التطورات الكبيرة في الأجهزة التشخيصية وبرامج المحاكاة التي تستطيع الآن نمذجة العمليات الاضطرابية المعقدة داخل البلازما بدقة مذهلة.
تعبر الدكتورة هوفلر عن دهشتها قائلة:
"عندما استلمت نتائج المحاكاة، فوجئت تمامًا بمدى تطابقها مع البيانات التجريبية، حتى في الحالات التي لم تكن فيها سلوكيات تقلبات الكثافة متوقعة بناءً على الإعدادات التجريبية."
إن النجاح في التنبؤ بسلوك البلازما حتى في ظل ظروف غير متوقعة يؤكد مدى كفاءة كود "GENE"، ويفتح الباب أمام تحسين أداء مفاعلات الاندماج النووي عن طريق الضبط الدقيق لظروف البلازما.
نحو تحقيق حلم مفاعلات الاندماج النووي
يمثل هذا الإنجاز خطوة حاسمة نحو تحقيق الحلم القديم بإنشاء محطات طاقة اندماجية فعالة ومستدامة. فمن خلال تحسين دقة المحاكاة، سيتمكن العلماء من التنبؤ بسلوك البلازما في المفاعلات المستقبلية بشكل أكثر موثوقية، مما قد يؤدي إلى تحسين احتواء الطاقة وزيادة كفاءة تفاعلات الاندماج.
وتؤكد الدكتورة هوفلر على أهمية هذا الإنجاز بقولها: "لقد أثبتنا أن كود GENE قادر على التنبؤ بسلوك البلازما بدقة تحت ظروف مختلفة، وهو ما يمهّد الطريق لاستخدام المحاكاة لتحسين عمليات المفاعلات الاندماجية المستقبلية."
تُعد هذه النتائج خطوة كبيرة في مسار تطوير مفاعلات اندماج نووي قادرة على إنتاج طاقة مستقرة ونظيفة، كما أنها تفتح الباب أمام مزيد من التطورات التي قد تجعل الاندماج النووي مصدر الطاقة الرئيسي في المستقبل.