في ابتكار غير مسبوق: علماء يستطيعون توليد الكهرباء من دوران الأرض.. مستقبل جديد للطاقات المتجددة

3 د
نجح باحثون من جامعة برينستون في توليد كهرباء من دوران الأرض باستخدام جهاز خاص يحتوي على موصل فريت وأقطاب كهربائية.
بلغ الجهد الناتج 17 ميكروفولت فقط، لكنه يعتبر نتيجة مثيرة للاهتمام رغم صغرها، أثارت جدلاً علمياً واسعاً.
شكك بعض العلماء في صحة النظرية، مشيرين إلى فشل تجارب سابقة في تحقيق نفس التأثير.
يخطط الفريق لتوسيع التجربة مستقبلاً، ويؤكد أن التأثير على دوران الأرض سيكون ضئيلاً حتى لو استُخدم الجهاز لتوليد الطاقة على نطاق كوكبي.
في تجربة وُصِفت بأنها "مثيرة للجدل ولكنها مثيرة للاهتمام"، نجح فريق من الفيزيائيين بقيادة الدكتور كريستوفر تشايبا من جامعة برينستون في بناء جهاز قادر على توليد الكهرباء باستخدام الطاقة الناتجة عن دوران الأرض. ورغم أن الجهد الناتج عن الجهاز لا يزال ضئيلاً للغاية، إلا أن الفكرة نفسها فتحت أبوابًا واسعة أمام احتمال استغلال مصدر غير تقليدي للطاقة المتجددة.
فكرة قديمة تُبعث من جديد
الاعتماد على دوران الأرض كمصدر للطاقة ليس فكرة جديدة كليًا، بل هي موضوع نظري نوقش منذ عصر فاراداي، لكنها بقيت في إطار الجدال العلمي دون تطبيق عملي جاد. ومع ذلك، بدأ بعض الباحثين مؤخرًا في العودة إلى هذه الفكرة ودراستها من منظور علمي تجريبي، على أمل تحويلها إلى تقنية قابلة للتطوير.
في الدراسة المنشورة بمجلة Physical Review Research، قام الفريق البحثي بتصميم جهاز بسيط في مظهره لكنه دقيق في تركيبه، يتكوّن من موصل ضعيف من الفريت (مزيج من أكاسيد المنغنيز والزنك) وأقطاب كهربائية عند طرفيه. وقد تم وضع الجهاز بزاوية 57 درجة ليكون عموديًا على كل من اتجاه دوران الأرض والمجال المغناطيسي الخاص بها.
نتائج متواضعة ولكنها لافتة
أسفر هذا الترتيب عن توليد تيار كهربائي ضئيل للغاية بلغ 17 ميكروفولت فقط، وهو ما يعادل جزءًا بسيطًا من الجهد الذي تطلقه خلية عصبية واحدة في الدماغ البشري، بحسب مجلة Nature العلمية.
ومع أن النتيجة قد تبدو تافهة للوهلة الأولى، إلا أن دلالتها الفيزيائية مثيرة للجدل، نظرًا لصعوبة عزل هذا الجهد الضئيل عن التأثيرات الفيزيائية الأخرى المحيطة. وعلّق على ذلك بول توماس، الأستاذ الفخري في الفيزياء بجامعة ويسكونسن-إيو كلير، قائلاً:
"الفكرة بحد ذاتها تبدو مخالفة للحدس، وقد كانت محل جدال منذ أيام فاراداي".
أما الفيزيائي المتقاعد رينك فيينغاردن، الذي سبق أن أجرى تجربة مماثلة عام 2018 دون أن ينجح في إثبات التأثير ذاته، فقد أبدى شكوكه الصريحة بقوله: "ما زلت مقتنعًا أن نظرية تشايبا وزملائه لا يمكن أن تكون صحيحة".
التفسير العلمي: بين الجاذبية والمجال المغناطيسي
الفكرة النظرية التي يعتمد عليها الجهاز تشير إلى أنه يمكن توليد التيار الكهربائي عبر تحرك الموصل داخل المجال المغناطيسي للأرض، الذي يُعتبر في بعض أجزائه ثابتًا نسبياً. لكن هذا المبدأ يصطدم بمشكلة معروفة في الفيزياء، وهي أن الإلكترونات داخل المادة قد تُعيد ترتيب نفسها لتوليد قوة مضادة تلغي التأثير الأساسي.
إلا أن تشايبا وفريقه أكدوا أنهم صمموا مادة خاصة تقاوم هذا الترتيب الذاتي، وتحافظ على نفس القوة الكهروستاتيكية داخل الجهاز، ما يتيح استمرار توليد التيار بشكل طفيف ولكنه قابل للقياس.
ماذا بعد؟ من ميكروفولت إلى ميغاواط؟
الطموحات لا تتوقف عند هذا الحد، إذ يخطط الفريق لتوسيع التجربة، بهدف تطوير جهاز قادر على إنتاج كميات من الطاقة يمكن أن تُستخدم فعليًا. لكن العلماء يقرّون بأن المسار ما زال طويلاً، ويتطلب مزيدًا من الأبحاث والتجارب الدقيقة لفهم كل العوامل الفيزيائية التي قد تؤثر على النتائج.
المثير للاهتمام أن الباحثين أجروا حسابًا نظريًا لتأثير استخدام هذه التقنية على سرعة دوران الأرض على المدى الطويل، فوجدوا أن استغلال هذا المصدر لتلبية احتياجات البشرية من الطاقة لن يؤدي سوى إلى إبطاء دوران الأرض بنحو سبع ميلي ثانية فقط خلال مئة عام، وهو معدل مقارب لتأثير جاذبية القمر على دوران كوكبنا خلال نفس الفترة.
بداية جدل علمي جديد
رغم النتائج المتواضعة، تفتح هذه التجربة بابًا جديدًا أمام العلم لاستكشاف آفاق مبتكرة لمصادر الطاقة. وبينما ينقسم العلماء بين متحمسين ومشككين، تبقى التجربة خطوة جريئة تستحق المتابعة، وربما تسهم مستقبلاً في إعادة صياغة علاقة الإنسان بكوكبه ومصادر طاقته.