مخلوق صغير يعود للحياة بعد سنوات من التجمد… وكأن شيئًا لم يحدث!

2 د
تعيش سمندلات سيبيريا في البرد القارص وتستطيع النجاة بعد التجمد الكامل لسنوات.
تستخدم مادة الجليسرول الطبيعية لحماية خلاياها من التجمد والتلف بسبب الصقيع.
يدرس العلماء قدرة سمندلات سيبيريا لفهم تطبيقاتها الطبية على الأنسجة البشرية.
رغم الظروف القاسية، تبقى سمندلات سيبيريا غير مهددة بالانقراض وفق IUCN.
تعكس هذه الظاهرة مدى تكيف الكائنات الحية مع الظروف غير الاعتيادية.
في زاوية نائية من كوكب الأرض، حيث لا يجرؤ الكثيرون على الذهاب دون حماية بسبب البرد القارس، يعيش كائن صغير مدهش يقوم بما يشبه المعجزة للبقاء على قيد الحياة: هذه هي سمندل سيبيريا، المعروفة علمياً باسم "Salamandrella keyserlingii"، وهي واحدة من الكائنات الحية النادرة القادرة على العودة للحياة من جديد بعد سنوات من التجمد الكامل!
تعيش هذه السمندلات في غابات سيبيريا الشمالية، المعروفة ببرودتها القاسية التي تصل أحياناً إلى أقل من 55 درجة تحت الصفر. عادةً، تتسبب درجات الحرارة شديدة الانخفاض بتجمد السوائل داخل خلايا الكائنات الحية وتدمير أغشيتها، ما يجعل النجاة شبه مستحيلة، لكن سمندلات سيبيريا طورت استراتيجية طبيعية مذهلة لمواجهة هذه الظروف الصعبة.
وهذه القدرة الفريدة من نوعها تساعد هذه السمندلات على النجاة. يتمثل السر في مادة كيميائية اسمها "الجليسرول"، وهي مادة طبيعية يفرزها جسم السمندل وتمثل ما يشبه مادة "مضادة للتجمد". تقلل هذه المادة من نقطة التجمد في سوائل الجسم، مما يحمي الخلايا والأنسجة من التلف الناتج عن الجليد. وبفضل هذا الحل الكيميائي العبقري يمكن لسمندلات سيبيريا الدخول في حالة من السبات التام شهوراً طويلة، وحتى سنوات، مخبأة في أماكن معزولة كجذوع الأشجار أو تحت الصخور.
هذا الوضع الخاص دفع الباحثين المتخصصين بدراسة الحياة البرية في حوض نهر كوليما السيبيري للقيام بتجارب على بعض السمندلات المجمدة. وبحسب تقرير سابق نشرته مجلة "New Scientist"، تمكن العلماء بالفعل من إنعاش سمندل سيبيري ظل متجمداً لعدة سنوات. ومع ذلك، لا ينجح هذا الأسلوب في كل الأحوال، فالانخفاض الشديد في درجات الحرارة قد يشكل خطراً أكبر ويهدد بقاء هذه الكائنات المدهشة.
ولهذا السبب، أصبح سمندل سيبيريا موضع اهتمام العلماء في مجال يُطلق عليه "كرَيُوبَيولوجيي cryobiology"، أو علم تجميد الكائنات الحية والأنسجة والخلايا لأغراض طبية. يأمل الباحثون من خلال دراسة آليات السمندل الطبيعية فهم كيفية حماية وتجميد الأنسجة البشرية وحتى الأعضاء، للاستفادة منها في الطب الحديث.
اليوم، لا يُعتبر سمندل سيبيريا من الأنواع المهددة بالانقراض، حيث تصنفه القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) كنوع "قليل القلق". لكن هذا المخلوق يبقى كنزاً حقيقياً في عالم العلوم والبيئة، ومصدر إلهام لاكتشاف وسائل جديدة للحفاظ على الحياة في ظروف غير اعتيادية.
في الختام، تذكّرنا هذه الظاهرة الحيوية العجيبة بقوة الطبيعة وقدرتها على التكيف مع أقسى الظروف. ولإبراز هذه الإعجازات الطبيعية بأفضل صورة، ربما يكون من المستحسن استبدال بعض التعابير المعتادة بمرادفات أكثر حيوية وتخصيص مساحة أكبر لتوضيح مفهوم "الكريوبيولوجيا" للقارئ بأسلوب مبسط، ما يجعل الموضوع أكثر قرباً وإثارة للاهتمام وسهل الوصول للجميع.