هل ستختفي قارة أمريكا الشمالية؟ كتلة غامضة تمتصها من الأسفل!! 😰

3 د
اكتشف العلماء وجود قطعة قديمة من القشرة الأرضية تحت الغرب الأوسط الأمريكي، تُسبب سحباً لصخور القشرة نحو أعماق الأرض.
لم تُرصد هذه الظاهرة، المعروفة باسم "ترقق الكراتون"، من قبل أثناء حدوثها.
السبب هو بقايا لوح محيطي قديم يُعرف باسم "فارالون"، انفصل عن صفيحة تكتونية قبل 20 مليون سنة.
تساهم النتائج في فهم أعمق لكيفية تطوّر القارات وتفككها على مدى الزمن الجيولوجي.
في اكتشاف جيولوجي غير مسبوق، كشف علماء الأرض عن ظاهرة غريبة تحدث في أعماق قارة أمريكا الشمالية: قطعة قديمة من القشرة الأرضية، مدفونة تحت الغرب الأوسط الأمريكي، تُسبب "تقطّراً" لأسفل يسحب أجزاءً من القشرة القارية نحو باطن الأرض. هذا الحدث العميق، الذي وصفه العلماء بأنه "نادر وفريد"، قد يعيد تشكيل فهمنا لتاريخ القارات وتطور الكوكب على مدى ملايين السنين.
القصة الكاملة: كيف "تقطّرت" القارة نحو الأسفل؟
أظهر بحث حديث نُشر في 28 مارس 2025 في دورية Nature Geoscience أن كتلة ضخمة من القشرة الأرضية القديمة، مدفونة بعمق نحو 660 كيلومتراً تحت الغرب الأوسط للولايات المتحدة، تُسبب سحباً لطبقات الصخور من القشرة العلوية لقارة أمريكا الشمالية نحو طبقات الوشاح السفلي للأرض.
يقود هذه الدراسة الجيوفيزيائي "جونلين هوا"، الذي أجرى البحث أثناء زمالة ما بعد الدكتوراه في جامعة تكساس في أوستن، ويعمل حالياً أستاذاً في جامعة العلوم والتكنولوجيا في الصين. ويقول هوا في بيان رسمي:
"لاحظنا أن نطاقاً واسعاً من القارة يمر بعملية ترقق تدريجية، وتمكّنا من التوصل إلى تفسير جديد حول ما يسبب هذا الترقيق."
المنطقة المتأثرة تمتد بين ولايات ميشيغن ونبراسكا وألاباما، حيث تظهر صخور القشرة وكأنها تنجذب أفقياً نحو نقطة معينة، قبل أن تُسحب عمودياً نحو الأسفل، في ظاهرة أشبه بقمع أو قُمع ضخم يُسحب عبر باطن الأرض.
قطعة مفقودة من المحيط الهادئ: لوح "فارالون" يغير ملامح القارة
تشير الدراسة إلى أن ما يُعرف بـ"اللوح الفارالوني" Farallon Slab هو السبب الأساسي لهذه الظاهرة. هذا اللوح هو بقايا صفيحة تكتونية محيطية كانت موجودة قبل حوالي 20 مليون سنة، وكانت تنزلق تحت صفيحة أمريكا الشمالية ضمن منطقة اندساس على الساحل الغربي للقارة.
لكن مع تقدم صفيحة المحيط الهادئ، تحطّم لوح فارالون إلى قطع، وانزلقت إحداها ببطء إلى عمق طبقات الأرض حتى استقرّت عند حدود المنطقة الانتقالية بين وشاح الأرض الأعلى والأسفل، على عمق يزيد عن 660 كيلومتراً.
وبحسب الدراسة، فإن هذه القطعة الغارقة تؤدي إلى عملية تُعرف بـ"ترقق الكراتون" Cratonic Thinning، وهي ظاهرة نادرة تتمثل بتآكل طبقات الكراتون – المناطق الثابتة والمستقرة من القشرة الأرضية التي ظلّت دون تغيير منذ مليارات السنين.
وللمرة الأولى، تمكّن العلماء من رصد هذه الظاهرة بينما تحدث بالفعل، ما يمثل سبقاً علمياً نظراً لأن مثل هذه التغيرات عادةً ما تحتاج إلى ملايين السنين حتى تكتمل.
التقنية الثورية التي مكّنت هذا الاكتشاف
اعتمد الفريق على تقنية تصوير زلزالي متقدمة تُدعى "الانعكاس الكامل للموجة" Full-Waveform Inversion، تسمح باستخلاص كل المعلومات الممكنة من الموجات الزلزالية لرسم خريطة تفصيلية للطبقات الجوفية.
وقد أظهرت الخريطة الزلزالية أن المناطق التي تقع ضمن نطاق الكراتون الأمريكي – والتي عادةً ما تكون أكثر صلابة واستقراراً – تتعرّض اليوم لتغير بنيوي في العمق. وأوضح البروفيسور ثورستن بيكر، وهو عالم مشارك في الدراسة ورئيس كرسي الجيوفيزياء في جامعة تكساس:
"إن فهم ما يحدث في المنطقة الانتقالية بين وشاح الأرض العميق والقشرة السطحية يُعد أمراً محورياً لفهم تطور كوكب الأرض على المدى البعيد."
محاكاة علمية تؤكد الظاهرة
وللتأكد من صحة النتائج، أنشأ الباحثون نموذجاً حاسوبياً لمحاكاة تأثير وجود أو غياب لوح فارالون على الكراتون الأمريكي. وظهر في المحاكاة أن عملية "التقطّر" تحدث فقط عند وجود اللوح، وتختفي تماماً عند حذفه، مما يعزز النظرية بأن هذه الكتلة القديمة تؤدي دوراً مركزياً في سحب الصخور القارية نحو باطن الأرض.
ورغم الطابع العميق والبطيء لهذه العملية، أكّد الباحثون أن الظاهرة لن تؤثر على سطح الأرض في المستقبل القريب، وقد تتوقف تماماً مع استمرار غوص لوح فارالون إلى أعماق أكبر وفقدانه التأثير على الطبقات العليا.
إعادة التفكير في كيفية تكوّن القارات
النتائج تفتح الباب أمام فهم جديد للعمليات التي أدت إلى تكوّن القارات وتجزئتها وإعادة تدويرها عبر العصور الجيولوجية. ويقول بيكر:
"هذا الاكتشاف يساعدنا في الإجابة على أسئلة جوهرية: كيف تتشكل القارات؟ كيف تتفكك؟ وكيف يعاد تدويرها في باطن الأرض؟"