ذكاء اصطناعي

هل ضلّلنا التاريخ؟ مخطوطات البحر الميت أقدم مما ترويه الكتب

هل ضلّلنا التاريخ؟ مخطوطات البحر الميت أقدم مما ترويه الكتب
فريق العمل
فريق العمل

3 د

اكتشف العلماء أن بعض مخطوطات البحر الميت أقدم مما كان يعتقد سابقًا.

استخدم الباحثون الذكاء الاصطناعي وتقنية الكربون المشع لتحديد أعمار المخطوطات.

أظهر  نظام "إينوك" الجديد دقة عالية تصل إلى 85% في تأريخ المخطوطات.

تحذر بعض الأبحاث من الاعتماد الكامل على هذه التقنيات لاعتبارات دقة التحليل.

تؤكد النتائج الحاجة لمزيد من الدراسات واستخدام آليات تحقق متعددة.

تخيل لو أنك تملك آلة زمن تنقلك للماضي لتصافح كُتّاب النصوص المقدسة وتتعرف على اللحظة التي أمسكوا فيها بالقلم ودوّنوا حكاياتهم الأزلية. تبدو الفكرة خيالية بعض الشيء، لكنها الآن باتت أقرب للحقيقة بفضل دراسة حديثة عن مخطوطات البحر الميت، تفيد بأن الكثير منها ربما تكون أقدم مما كنا نعتقد من قبل بكثير.

بدأ كل شيء عندما اكتشفت مخطوطات البحر الميت في كهوف قمران بالصحراء اليهودية منتصف القرن العشرين، تحديدًا في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، على يد رعاة بدو مروا صدفة بالمكان. وتُعتبر هذه المخطوطات من أقدم النسخ المعروفة لبعض النصوص الدينية والقانونية اليهودية، كما تحوي مقتطفات من أجزاء مختلفة من الكتاب المقدس العبري، وقُدر تاريخها سابقاً بين القرن الثالث قبل الميلاد حتى القرن الثاني الميلادي.

والجديد في الموضوع هو ما كشفته دراسة قادها البروفيسور ملادن بوبوفيتش من جامعة جروننجن في هولندا، استعانت بطرق حديثة مثل الذكاء الاصطناعي وتقنية الكربون المشع. كانت المشكلة الأساسية في محاولات التأريخ السابقة تكمن في زيت الخروع الذي استخدم في خمسينيات القرن الماضي لتوضيح الكتابات ومساعدة الباحثين على قراءتها بسهولة أكبر، لكن دون أن يدركوا وقتها أنّ هذا الزيت سوف يغير نتائج الفحوصات الكربونية المُستخدمة لتحديد أعمار المخطوطات.

وبعد جهود مُركزة في تنظيف المخطوطات من هذا الزيت والتلوث، أعاد العلماء فحص 30 عينة باستخدام تقنية الكربون المشع، ونجحوا في تحديد أعمار 27 منها بشكل دقيق. وكانت النتائج مفاجئة، فقد تبين أن بعض المخطوطات كانت أقدم من تقديرات الاختصاصيين الذين حللوها من قبل عبر دراسة الخط فقط. على سبيل المثال، وجد العلماء أن المخطوطة المعروفة بـ"4Q114" التي تحتوي على نص من سفر دانيال، تتزامن تقريبًا مع الفترة التي عاش فيها كاتب السفر الأصلي، أي أقدم مما اعتُقد سابقًا بحوالي جيل كامل.

ولم تتوقف النتائج عند هذا الحد، فقد استعان العلماء بنظام ذكاء اصطناعي جديد أطلقوا عليه تسمية "إينوك"، في إشارة لشخصية النبي إدريس (المعروف بعلمه وحكمته)؛ حيث قاموا بتدريب هذا النظام على التعرف على نماذج الكتابات من خلال صور رقمية لآثار الحبر من المخطوطات المؤرخة بالكربون المشع. وعند اختبار النظام، كانت دقة نتائج إينوك في تأريخ المخطوطات تصل إلى حوالي 85 بالمائة. بل إن النظام كان قادرًا على تحديد فترة زمنية أكثر دقة من تقنيات الكربون المشع وحدها في بعض الأحيان.

ويفتح قضاء الذكاء الاصطناعي إينوك الباب أمام فرصةٍ ثمينة لتأريخ المخطوطات المستقبلية دون تدمير أية أجزاء منها، وهي نقطة بالغة الأهمية في علم الآثار والتراث؛ فالفحص بالكربون المشع، على قيمته، يعني تدمير أجزاء صغيرة من المخطوطات لإجراء التحليل.

ذو صلة

ومع هذا كله، يحذر بعض الباحثين من التسرع في الاعتماد المطلق على هذه النتائج. فمثلًا، يوضح الدكتور ماثيو كولينز من جامعة تشيستر أن العمر الذي تقدمه تقنية الكربون المشع يتناول مادة الرق ذاتها ولا يؤكد متى تم تدوين النص عليها تحديدًا. كذلك، يوصي بالتعامل الحذر مع بيانات إينوك لأن النماذج المستخدمة في تدريبه كانت محدودة نسبيًا، وتعتمد بشكل أساسي على أساليب الكتابة المتاحة حاليًا.

وبينما تُلقي نتائج هذه الدراسة الجديدة بضوئها على بدايات نشأة النصوص الدينية وتفتح أبوابًا جديدة أمام البحث والفهم، فإنها تؤكد أيضًا الحاجة لمزيد من الدراسات المكملة، واعتماد آليات تحقق متعددة. إن دمج مثل هذه الملاحظات بعناية في أبحاث مستقبلية سيكون ضروريًا لكسب ثقة أكبر بالنتائج، وتعزيز فهمنا بشكل أفضل لتاريخ هذه المخطوطات العريقة وقصة الإنسان الذي كتبها قبل ألفي عام.

ذو صلة