أصغر من أن يُرى… وأقوى من أن يُلحق: حاسوب كمي صغير يهدد عمالقة مراكز البيانات بقوة فيزياء خالصة

3 د
تسعى "نورد كوانتيك" لتطوير جهاز كمبيوتر كمومي بأكثر من 1000 كيوبت بحلول 2031.
تعتمد الشركة على "تشفير الوضع المتعدد" لتحقيق تصحيح أخطاء فعال دون زيادة التعقيد.
ستكون الحواسيب الكمومية أصغر حجمًا وتستهلك طاقة أقل من الحواسيب التقليدية.
أظهرت تجارب الشركة تفوق أداء النظام وثباته خلال عمليات تصحيح الأخطاء المتتالية.
يتوقع توفير الطاقة بنسبة 99% عند حل تحديات التشفير باستخدام التقنية الجديدة.
هل تتخيل عالماً يمكن فيه لجهاز كمبيوتر صغير بحجم غرفة متواضعة أن يقوم بوظائف مراكز البيانات الضخمة التي تمتد على آلاف الأمتار؟ هذا ليس مجرد مشهد من فيلم خيال علمي، بل هو الهدف الطموح لشركة ناشئة في مجال الحوسبة الكمومية تدعى "نورد كوانتيك"، والتي أعلنت عزمها تطوير جهاز كمبيوتر كمومي عملي بطاقة تتجاوز 1000 كيوبت منطقي بحلول عام 2031.
الشركة، التي تستخدم طريقة مبتكرة تُعرف باسم "تشفير الوضع المتعدد" عبر تقنية أطلقت عليها اسم "تيسيراكت"، تزعم أنها قادرة على بناء حواسيب كمومية تمتاز بدرجة عالية من التصحيح الفعال للأخطاء دون زيادة التعقيدات المادية أو حجم البنية الأساسية. بكل بساطة، هذه التقنية تعني القدرة على القيام بعمليات حسابية فائقة السرعة والدقة باستخدام عدد أقل من المكونات المادية.
وبحسب الرئيس التنفيذي للشركة، جوليان كاميران ليمين، فإن أسلوب "تشفير الوضع المتعدد" يسمح لهم بتحقيق قدرات ممتازة في تصحيح الأخطاء، لكن دون الحاجة إلى تشعب الأجهزة المادية الإضافية التي تزيد التطبيق تعقيداً وحجماً. والأهم من ذلك، أن هذا النوع من الحواسيب أصغر حجماً بكثير وسيستهلك جزءاً بسيطاً للغاية من الطاقة مقارنة بالحواسيب التقليدية عالية الأداء، الأمر الذي تعتبره الشركة نقطة بيع رئيسية، نظراً لتكاليف الطاقة المرتفعة والجهود المتزايدة لتحسين الاستدامة البيئية.
وترتبط تطلعات "نورد كوانتيك" بصورة مباشرة بمستقبل مراكز البيانات والكمبيوترات عالية الأداء؛ فبينما تتطلب الحلول التقليدية مساحة هائلة تتراوح بين ألف إلى عشرين ألف متر مربع، يؤكد خبراء الشركة أن جهازهم الجديد لن يحتاج سوى مساحة تقارب 20 متراً مربعاً فقط. هذا يعني، ببساطة، إمكانية دمج هذا النوع من التقنية الكمومية بسهولة فائقة داخل مراكز البيانات القائمة حالياً، بل وحتى في البيئات التي تفرض قيوداً مكانية شديدة.
ويزداد الأمر إثارة عندما نعلم أن "نورد كوانتيك" أجرت مؤخراً تجربة تقنية ناجحة أظهرت ثباتاً مذهلاً للنظام خلال 32 دورة متتالية من تصحيح الأخطاء، ولم تسجل أي فقد ملحوظ أو تراجع في الأداء الكمومي. هذه النتائج لاقت دعماً من أكاديميين متخصصين مثل الدكتورة إيفون جاو من جامعة سنغافورة الوطنية، التي أشادت بمزايا هذه التقنية الجديدة وأشارت إلى أنها خطوة مهمة في رحلتنا للوصول إلى حواسيب كمومية قابلة للاستخدام التجاري الواسع.
ليس ذلك فحسب، بل إن الشركة تقول إن نظامها الجديد قد يتمكن من حل تحديات تشفيرية معقدة للغاية، مثل مشكلة RSA-830، خلال ساعة واحدة فقط وباستهلاك 120 كيلوواط ساعي من الطاقة. لتنقل الصورة بدقة، فإن أداء مثل هذه العملية باستخدام الحواسيب التقليدية كان يتطلب حوالي 280 ألف كيلوواط ساعي على مدار تسعة أيام من التشغيل المستمر. ببساطة، هذا يعني توفيراً مذهلاً يبلغ حوالي 99 بالمئة من الطاقة المستخدمة، وهي نقطة جاذبة بقوة لمراكز البيانات التي تواجه ضغوطاً لتقليل التكاليف وأثرها البيئي.
ومع كل هذا التفاؤل، من المهم الإشارة إلى ضرورة التحقق المستقل من هذه النتائج خارج المختبرات، خاصة مع وجود بعض التعقيدات مثل الحاجة لإهمال جزء من البيانات خلال عمليات تصحيح الأخطاء لضمان ثبات النظام، الأمر الذي يطرح تساؤلات جدية حول التطبيق الفعلي للنظام في ظروف الواقع.
في نهاية المطاف، تضعنا هذه التطورات المثيرة على حافة تغيير تكنولوجي كبير قد يقلب موازين الحوسبة التقليدية، لكن يبقى دائماً علينا انتظار إثباتات عملية وأبحاث مستقلة تؤكد موثوقية مثل هذه الحلول الواعدة. وربما سيكون من المفيد مستقبلاً أن تركز الشركة بصورة أكبر على تقديم توضيحات إضافية للجمهور والمهتمين، أو ربما باستخدام مصطلحات أوضح تبسط الفكرة وتقترب أكثر من تجارب مستخدمين واقعيين، لجعل الابتكار الكمومي أقرب إلى واقع حياتنا اليومية.