أقدم عدو للبشرية… طفيلي عمره 60 ألف عام ما زال يلاحقنا حتى اليوم

3 د
اكتشف العلماء أن بق الفراش كان يتغذى على البشر منذ أكثر من 60 ألف عام.
أظهرت الدراسة أن البق يرتبط تاريخيًا بأسلاف الإنسان وتكيّف للعيش معهم.
تطورت مقاومة بق الفراش للمبيدات مثل الـ "دي دي تي"، مما ساعده على البقاء.
ازداد انتشار بق الفراش بفضل السفر الدولي والمدن المزدحمة، مما يشكل تحديًا للمكافحة.
عندما نفكر في الحشرات المزعجة، تأتي البعوضة والبراغيث على رأس القائمة عادةً، ولكن ماذا عن أول كائن حي قرر أن يجعل الإنسان وجبته الأساسية؟ اكتشاف حديث من الباحثين بجامعة فرجينيا تك كشف عن "المزعج" الأول للبشر، الذي يلازمنا منذ أكثر من 60 ألف عام؛ فتبين أننا ما زلنا وجبة مفضلة لديه حتى اليوم!
قام الفريق البحثي بقيادة ليندسي مايلز من قسم علوم الحشرات في جامعة فرجينيا تك بتحليل ومقارنة الجينوم لنوعين مختلفين من بق الفراش؛ الأول ارتبط تاريخياً بأسلاف البشر (النياندرتال)، والآخر احتفظ بمضيفه الأصلي من الخفافيش. وكانت النتائج مذهلة! حيث وجدوا أن سلالة بق الفراش التي تعيش على الخفافيش أخذت بالتراجع تدريجياً مع الزمن، في حين ازداد عدد بق الفراش المرتبط بالإنسان مع تطور المجتمعات البشرية وانتقال البشر من الكهوف إلى مجتمعات وبيوت أكبر.
توضح ليندسي مايلز أن هذه التحليلات الوراثية تسمح للعلماء بتتبع التغيرات الديموغرافية. وأضافت أن كلا السلالتين شهدتا تراجعاً في فترة العصر الجليدي الأخير، لكن الفرع المرتبط بالإنسان عاد للانتعاش بصورة مذهلة، خلافاً لما حدث مع السلالة الأخرى التي بقيت مرتبطة بالخفافيش وتتقلص بشكل مستمر.
هذا المعطى المرتبط بسلوك بق الفراش تاريخياً، يفتح باب النقاش حول أسباب نجاحها وقدرتها على التكيف رغم المحاولات الدائمة للقضاء عليها. فالسبب الرئيس – كما يقول الباحث وارن بوث من الفريق ذاته – يعود لما حدث منذ حوالي 60 ألف سنة، حين ترك البشر الكهوف التي كانت تجمعهم مع تلك الحشرات وانتقلوا لمجتمعات حضرية أكبر، حاملين معهم مجموعات من البق التي تطورت ونشطت في بيئات مأهولة بالإنسان.
ولعل المثير للاهتمام أن مقاومة بق الفراش للمبيدات الحشرية تُشَكِّل مساراً ناجحاً آخر للبقاء؛ فقد اكتشف الباحثون مؤخراً طفرة جينية ساعدت بق الفراش على مقاومة مادة الـ "دي دي تي"، المبيد الحشري الشهير الذي استُخدم بكثرة في منتصف القرن الماضي، ما أدى إلى تكاثرها السريع مجدداً بعد ظن العلماء أنهم نجحوا في القضاء عليها.
ويرتبط هذا الأمر بوضوح بتحديات مكافحتها اليوم. فخلال السنوات الأخيرة، وبسبب زيادة السفر الدولي وانتشار المدن بكثافة سكانية متصاعدة، تضاعفت نسب الإصابة ببق الفراش حول العالم بشكل كبير. فمثلاً، سجلت أستراليا في عام 2006 وحده ارتفاعاً مذهلاً في أعداد الإصابات بلغ 4500%. واليوم، لا توجد ولاية أمريكية واحدة خالية منها، وخصوصاً في المدن الكبرى المكتظة.
ومع أن وجود هذه الحشرة يُعتبر أمراً مزعجاً لنا جميعاً، إلا أن العلماء يرون منفعة محتملة قد تكمن في هذا الكشف العلمي. إذ ستتيح لنا هذه الدراسات تطوير وسائل أفضل لمكافحة هذه الحشرات المتكيفة بشدة، وفهم كيف تساهم في انتشار الوبائيات، مما يساعدنا على تطوير استراتيجيات أفضل لمنع ومكافحة تفشي تلك الأمراض مستقبلاً.
في النهاية، تقدم لنا هذه الدراسة نظرة عميقة على التاريخ الطويل بين البشر وهذه الحشرات الصغيرة المزعجة، وتدل بوضوح على مدى تشابك طرق حياتنا. وبينما يأمل البعض في التخلص نهائياً منها، يؤكد الباحثون أن التعايش بين البشر وبق الفراش ربما سيستمر لوقت طويل، نظراً لقدرتها الرائعة على التكيف وصمودها المستمر أمام كل التحديات.
لكن على الجانب المشرق؛ فإن بق الفراش لا ينقل الأمراض، ولحسن الحظ، توجد إرشادات واضحة – أعلنتها وكالة حماية البيئة الأمريكية – لمنع انتشارها وعلاج لدغاتها المزعجة. ومع ذلك، إذا أردنا وصف ما يحدث في عالم الحشرات بشكل طريف، قد يبدو أن المنافسة مستمرة دائماً بين بق الفراش والصراصير على لقب "الحشرة الأكثر بقاءً"، خصوصاً أن الصراصير الألمانية تتمتع بنظام غذائي متنوع وظروف حياة أوسع بكثير ولا تتردد في التهام منافسيها من بق الفراش عند الحاجة!