الصين تكسر قواعد الفيزياء: أول مفاعل ثوريوم يُعاد تزويده بالوقود وهو يعمل 😯

4 د
نجحت الصين في تشغيل أول مفاعل "الثوريوم" في العالم دون إيقافه للتزود بالوقود.
تستخدم تقنية الملح المنصهر، مما يلغي خطر الانفجارات والتسربات الإشعاعية.
استفادت الصين من الوثائق الأمريكية ونجحت في تطبيق التقنية بامتياز.
تمثل مفاعلات الثوريوم خيارًا جذابًا للطاقة النظيفة وأقل نفايات إشعاعية.
تشهد دول أخرى اهتمامًا متزايدًا بتطوير تقنية مفاعلات الثوريوم الجديدة.
منذ عشرات السنين، كانت فكرة تشغيل مفاعلات نووية تُستخدم فيها مادة "الثوريوم" من المواضيع المطروحة على مائدة النقاش العلمي. واليوم، يبدو أن هذا النقاش الطويل تحوّل أخيراً إلى واقع ملموس، حيث نجحت الصين مؤخراً في تشغيل أول مفاعل ثوريوم في العالم وإعادة تزويده بالوقود دون الحاجة إلى إيقافه. في خطوة تعتبر الأولى من نوعها، وتمثل تقدماً غير مسبوق في مجال الطاقة النووية.
تقنية ثورية وتحدٍّ حقيقي للعوائق التقليدية
قد يتساءل البعض: "ما الذي يجعل تشغيل هذا المفاعل أمراً استثنائياً؟" الإجابة تكمن في الاختلاف الجوهري بين مفاعلات اليورانيوم التقليدية ومفاعل الثوريوم الجديد. فما يميز مفاعل الثوريوم هو استخدامه تقنية "الملح المنصهر" أو Molten Salt Reactor، حيث يُذاب وقود الثوريوم في مزيج من الملح المنصهر الذي يقوم بوظيفتين أساسيتين معاً: نقل الوقود النووي وتبريد النظام.
هذا المزيج السائل، بعكس الأنظمة النووية التقليدية، يعمل دون ضغط عالٍ، مما يعني استبعاد خطر الانفجارات وتسرب العناصر المشعة المدمرة. وإذا حدث أي تسريب، فكل ما يحدث ببساطة أن هذا الوقود السائل سيتجمد ليصبح كتلة صلبة غير نشطة إشعاعياً. باختصار، لا مجال هنا لسيناريو كارثي على غرار "تشيرنوبل".
فكرة قديمة جرى إحياؤها من جديد
قد تبدو هذه التكنولوجيا جديدة، لكنها في الواقع لم تكن وليدة اليوم. الثوريوم مادة معدنية فضية تم اكتشاف إمكانياتها النووية خلال منتصف القرن الماضي، بل وبدأت الولايات المتحدة فعلاً في دراستها خلال أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي. لكنّ السلطات الأمريكية فضلت التركيز على اليورانيوم وقتها، بكل بساطة، لأنه يمكن استخدامه في صناعة الأسلحة النووية، وهو ما كان يتفق مع متطلبات الحرب الباردة آنذاك. وبالنتيجة، باتت الأبحاث عن مفاعلات الثوريوم علنًا متروكة جانبًا في الأرشيفات.
هنا تدخلت الصين. الفريق البحثي في معهد شانغهاي للفيزياء التطبيقية قال بوضوح:
"لقد استفدنا من الوثائق الأمريكية التي رُفعت عنها السرية وكان الجميع قد تجاهلها وتوقفوا عن العمل عليها"
وأوضح قائد الفريق الدكتور "شو هونغجي"، أنهم أعادوا إحياء هذه البحوث، واستفادوا من المعلومات المتاحة، وأضافوا عليها مزيداً من التجارب والتطوير العلمي حتى نجحوا في تطبيقها بنجاح.
سابقة تاريخية: تعبئة الوقود النووي دون إيقاف المفاعل
في منشأة تجريبية تقع وسط الصحراء بمنطقة "غوبي" الصينية، نجحت الصين مؤخراً في تحقيق سبق علمي مذهل في أبريل 2025؛ إذ قامت بإعادة تزويد المفاعل بالوقود أثناء تشغيله، وهي خاصية لا تتوفر إطلاقاً في المفاعلات التقليدية التي تستخدم قضبان اليورانيوم الصلبة، إذ يجب دائماً إيقاف تلك المفاعلات للصيانة وإعادة التزود بالوقود.
التجربة أثبتت إمكانية التشغيل المستمر والمريح تقنيًا لمناطق واسعة اعتمادًا على هذا النوع من المفاعلات، مما يعني توفير الطاقة بطريقة أكثر كفاءة وأمانًا. وحالياً يستعد الفريق الصيني لتطوير نموذج أكبر بقدرة 10 ميغا واط بحلول عام 2030.
مزايا عديدة لمفاعلات الثوريوم: مستقبل الطاقة النظيفة؟
بعيداً عن الجانب الابتكاري والتقني، فإن هناك مزايا هائلة تجعل مفاعلات الثوريوم بديلاً جذاباً للغاية. فهي تقدم طاقة نظيفة مع إنتاج كمية أقل من المخلفات الإشعاعية السامة، التي تعد مشكلة كبيرة لدى المفاعلات القائمة حالياً. كما أن مادة الثوريوم متوفرة على نطاق واسع في الطبيعة، ما يجعل إمكانية توسيع استخدام هذه التقنية أمراً ممكناً بشكل كبير. فالصين وحدها تمتلك مناجم ضخمة لهذه المادة تكفيها لآلاف السنين.
وأهم من ذلك، أن هذه المادة ذات فعالية ضعيفة لإنتاج الأسلحة، الأمر الذي يجعل المفاعلات الثوريوم مطلباً مهماً لتعزيز الأمن العالمي وتسهيل التعاون النووي الدولي.
اهتمام عالمي متزايد... ومنافسة على الأبواب
هذه الخطوة الصينية ليست فردية، بل تبدو جزءاً من اهتمام عالمي متزايد بالثوريوم كحل محتمل لنقص الطاقة وتعويض مشاكل الطاقة المتجددة عندما لا تكون الشمس والرياح متوفرة بشكل مستمر. فالهند، التي تمتلك احتياطيات كبيرة من الثوريوم، لديها برنامج خاص لتطوير هذه التقنية. كذلك تدرس عدة دول مثل النرويج والولايات المتحدة إمكانيات مشابهة.
وقد يكون النجاح الصيني محفزاً لتسريع الجهود الدولية والتعاون من أجل تطوير هذا النوع الجديد من الطاقة. فمن يدري؟ ربما نشهد خلال السنوات القادمة شبكة جديدة من مفاعلات الثوريوم النظيفة تعزز التحول العالمي نحو الطاقة المستدامة.
وفي ختام الأمر، الحقيقة واضحة: المستقبل يبدو واعداً للطاقة النووية النظيفة، والثوريوم قد يكون حلاً جاهزًا طال انتظاره لمشاكل الطاقة لدينا. فقط علينا أن نتابع باهتمام، لنرى إلى أين ستقودنا هذه التطورات المبهرة في مجال الطاقة.