ذكاء اصطناعي

القبور تروي ما سُكِت عنه: اكتشاف أكبر مقبرة للعبيد في التاريخ تضم أكثر من 100 ألف جثة

القبور تروي ما سُكِت عنه: اكتشاف أكبر مقبرة للعبيد في التاريخ تضم أكثر من 100 ألف جثة
فريق العمل
فريق العمل

3 د

اُكتشفت أكبر مقبرة لضحايا الاستعباد في البرازيل بمدينة سلفادور بولاية باهيا.

يعيد الموقع المكتشف للذاكرة فترة مظلمة من تاريخ الاستعباد بأميركا اللاتينية.

وجدت الحفريات رفات تعود لأفريقيا ومستعبدين من القرنين السابع عشر والتاسع عشر.

أكد العلماء أهمية الحفاظ على الموقع كخطوة نحو التصالح مع التاريخ.

ساهمت الباحثة سيلفانا أوليفييري في تحديد الموقع بدقة باستخدام الوثائق التاريخية.

في اكتشاف تاريخي مذهل يُعيد للأرض ذاكرتها المنسية، كشفت التنقيبات مؤخراً في قلب مدينة سلفادور في ولاية باهيا البرازيلية عن أكبر مقبرة معروفة حتى الآن لضحايا الاستعباد في أميركا اللاتينية. هذا الموقع الأثري المهم الذي عُثر فيه على رفات تعود لأكثر من 100 ألف إنسان، ظل خفيّاً عن الأعين لعقود، مدفوناً بهدوء تحت مبانٍ عصرية ومرافق حديثة، ليمثل اليوم نافذة نادرة للعبور نحو فترة مؤلمة من تاريخنا البشري المشترك.

تم العثور على هذا الموقع، الذي يُعرف حالياً باسم "الموقع الأثري لمقبرة الأفارقة"، أثناء أعمال حفر وتنقيب بدأت منتصف مايو الماضي داخل مجمع بوبيليرا، وهو مكان تملكه مؤسسة "سانتا كازا دي ميزيريكورديا". ويُستخدم المجمع في الوقت الحالي كمتحف وكلية ومركز للفعاليات والأحداث الثقافية. المفاجأة كانت حين أكدت الحفريات وجود رفات إنسانية على عمق يقارب ثلاثة أمتار، لتكشف بذلك ما كان مخفياً منذ إغلاق المقبرة بشكل نهائي عام 1844.

منذ أواخر القرن السابع عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر، قدمت هذه المقبرة التي كانت تُسمّى "كامبو دا بولفورا"، خدمة الدفن للمجتمعات المُهمشة، والتي شملت بشكل رئيسي آلاف الأفارقة المستعبدين الذين تم جلبهم للعمل في مزارع وقصور المدينة. ويعتقد الباحثون أن الموقع أيضاً يضم رفات عدد ممن شاركوا في "تمرد ماليه" الشهير عام 1835، والذي راح ضحيته العديد من الثوار الذين طالبوا بالحرية، والذين لاقوا عقوبة الموت إثر هذه مشاركتهم الجريئة.

وكانت بداية اكتشاف الموقع الأثري الكبير هذه بفضل جهود الباحثة سيلفانا أوليفييري، المهندسة المعمارية والمخطِّطة المدنية، في إطار رسالة دكتوراه أعدتها في جامعة باهيا الفيدرالية. وقد اعتمدت أوليفييري على مقارنة الخرائط القديمة للمدينة من القرن الثامن عشر والسجلات التاريخية لمؤسسة "سانتا كازا"، مع دراسات أثرية سابقة، لتتمكن أخيراً من تحديد الموقع بدقة بالغة.

وتعقيباً على أهمية هذا الكشف التاريخي، قالت أوليفييري إن "هذا الموقع مقدس وله قيمة ثقافية وروحية عميقة لدى السود في ولاية باهيا، بل ولجميع الذين يرون أنفسهم مرتبطين روحياً بضحايا هذه الحقبة الأليمة من التاريخ الإنساني". وعلى ذات المنوال، اعتبر عالم الآثار لويس أنطونيو باشيكو أن إظهار هذه المقبرة من جديد إلى الوجود بمثابة خطوة رمزية نحو التصالح مع الماضي ومعرفة الحقيقة التاريخية المخفية طويلاً تحت طبقات التربة والنسيان.

ذو صلة

ونظراً لهشاشة الرفات البشرية المكتشفة، والمهددة بالتلف نتيجة الظروف المناخية الرطبة والطبيعة الحمضية للتربة في المنطقة، قرر فريق الباحثين عدم الاستخراج الكامل لها، بل تم اتخاذ تدابير علمية دقيقة بهدف المحافظة على تلك الآثار الحساسة، للسماح بمزيد من الدراسات المستقبلية، وعلاج بقايا العظام بشكل احترافي يحول دون إلحاق أي ضرر بها.

هذا الكشف الأثري الاستثنائي يفتح أمامنا نافذةً جديدةً لفهم حقيقة معاناة الضحايا المنسيين، ويسلط الضوء على تاريخ إنساني لا يزال يحمل جروحاً عميقة تحتاج أكثر من أي وقتٍ مضى إلى المصالحة والإقرار العلني. وربما لو اهتممنا أكثر بالتواصل الواضح بين الماضي والحاضر، وعمدنا إلى تسمية الأشياء بصراحة وشفافية، لاستطعنا الوصول إلى وعي جمعي أكثر نضجاً، يساعدنا على ألا ننسى أبداً تلك الفصول المؤلمة من تاريخنا البشري.

ذو صلة