ذكاء اصطناعي

حين يتكلم الجلد بعد 75 مليون سنة: هيكل ديناصور يافع يروي قصته من قلب التلال الكندية

حين يتكلم الجلد بعد 75 مليون سنة: هيكل ديناصور يافع يروي قصته من قلب التلال الكندية
مجد الشيخ
مجد الشيخ

3 د

اكتُشف هيكل عظمي شبه مكتمل لديناصور "هادروصور" يافع في كندا، مع جلد محفوظ بشكل استثنائي.

الاكتشاف نادر جدًا ويساعد في فهم مراحل تطور ونمو الديناصورات، خاصة اليافعة منها.

يمنح الجلد المتحجر الباحثين رؤية تفصيلية لمظهر الحيوان وسلوكه وبيئته القديمة.

ستستغرق عملية الكشف الكاملة والتحليل عدة سنوات، وستُجرى في متحف رويال تيريل.

في كشف أثري مذهل من شأنه أن يعيد كتابة بعض فصول تاريخ الديناصورات، أعلن فريق علمي دولي عن اكتشاف هيكل عظمي شبه مكتمل لديناصور في إحدى التلال بمنطقة ديناصور بارك بمقاطعة ألبرتا الكندية، مع ميزة استثنائية نادرة: الجلد المتحجر محفوظ بشكل رائع على أجزاء كبيرة من الجسم. هذا الاكتشاف لا يمنح الباحثين فقط رؤية غير مسبوقة لمظهر هذا الكائن المنقرض، بل يفتح أيضاً أبواباً جديدة لفهم بيئته وسلوكه منذ أكثر من 75 مليون سنة.


اكتشاف نادر في واحدة من أغنى مناطق الحفريات

تم العثور على هذا الهيكل العظمي المذهل في صيف عام 2021، خلال رحلة استطلاعية ميدانية قادها الدكتور برايان بيكلز من جامعة ريدينغ البريطانية. وخلال جولة اعتيادية في "ديناصور بارك"—أحد أشهر مواقع الحفريات في العالم—رصدت المتطوعة تيري كاسكي جزءًا من الهيكل العظمي يبرز من منحدر ترابي. وقد تبيّن لاحقًا أن الهيكل يتضمن الذيل والقدم الخلفية اليمنى للديناصور، ما يشير إلى احتمال وجود بقية الجسم مدفونًا في باطن التل.

ويُرجّح الباحثون أن هذا الكائن يعود إلى فصيلة "هادروصور"، أحد أنواع الديناصورات آكلة النباتات المعروفة بامتلاكها منقارًا يشبه ذلك الخاص بالبط. ويعتقد أن الهيكل المكتشف يعود إلى فرد يافع من هذه الفصيلة، مما يزيد من أهمية الاكتشاف، إذ إن الهياكل العظمية للديناصورات اليافعة نادرة جدًا مقارنة بنظيراتها البالغة.


الجلد المحفوظ: نافذة على ماضي الحياة

ما يميّز هذا الاكتشاف عن غيره هو وجود الجلد المتحجر محفوظًا على مناطق واسعة من الهيكل، وهي حالة نادرة للغاية في سجل الحفريات. ووفقًا للدكتور كاليب براون من متحف رويال تيريل، فإن هذا النوع من الحفظ النسيجي يُعد ذا قيمة لا تُقدّر بثمن، إذ يتيح للعلماء فحص بنية الجلد وملمسه وربما حتى لونه، ما يمنح تصورًا أكثر دقة لمظهر الديناصورات.

ويضيف الدكتور براون:


"وجود هذا الكم من الجلد المحفوظ يفتح المجال أمام اكتشافات إضافية داخل الصخرة، ما قد يمكننا من إعادة تشكيل الشكل الخارجي للهادروصور بصورة أقرب إلى الحقيقة"

هذه التفاصيل لا تساعد فقط في فهم المظهر الجسدي، بل تسلط الضوء أيضًا على البيئة التي عاش فيها هذا الحيوان وسلوكه المحتمل.


من التل إلى المختبر: رحلة كشف الأسرار

سيُنقل الهيكل العظمي لاحقًا إلى مختبر التحضير في متحف رويال تيريل، حيث سيباشر الفنيون عملية إزالة الرواسب الصخرية المحيطة بعناية، بهدف الكشف الكامل عن العظام والجلد المحفوظ. ومن المتوقع أن تستغرق هذه العملية عدة سنوات نظرًا لحجم العينة وتعقيدها، وستُستخدم لتحديد مدى اكتمال الهيكل ونوع الديناصور بدقة، وهو أمر لا يمكن تأكيده حاليًا دون العثور على الجمجمة.


أهمية الاكتشاف وأثره المستقبلي

لا تكمن أهمية هذا الكشف في ندرته فحسب، بل في ما يحمله من دلالات علمية عميقة. إذ يُسهم في إغناء قاعدة البيانات الأحفورية حول ديناصورات العصر الطباشيري، ويساعد في ملء فجوات تتعلق بمراحل النمو المبكرة لدى الديناصورات آكلة النباتات، ويُقدّم فرصة نادرة للباحثين لفهم التكوين البيولوجي والبيئي لهذا النوع من الكائنات.

ذو صلة

كما يُظهر هذا الإنجاز مجددًا أهمية "ديناصور بارك" كموقع بحثي عالمي ومحطة أساسية لفهم الحياة القديمة على الأرض، ويعكس النجاح المستمر للتعاون بين جامعات بريطانية وأسترالية ومؤسسات بحثية كندية.

في زمن تتسابق فيه الدول نحو الفضاء والتكنولوجيا، لا يزال باطن الأرض يحتفظ بأسراره العتيقة التي قد تغيّر فهمنا للحياة على كوكبنا. فالعثور على هيكل ديناصور يافع محفوظ بجلده ليس مجرد نجاح علمي، بل هو تذكير بعمق التاريخ الطبيعي لكوكب الأرض، وبأن أجوبتنا عن المستقبل قد تأتي أحيانًا من أعمق أعماق الماضي.

ذو صلة