ظاهرة مقززة قد تُنقذ أنقى بقاع الأرض: أنتركتيكا تراهن على فضلات البطاريق

3 د
يعتبر الجوانو، فضلات البطاريق، عنصرًا هامًا في تخفيف حدة التسخين في أنتاركتيكا.
تطلق فضلات البطاريق الأمونيا التي تتفاعل مع الغازات لتكوين سحب تعكس أشعة الشمس.
أظهرت دراسة في قاعدة مارامبيو الأرجنتينية ارتفاع ترَكُّز الأمونيا بشكل كبير.
تساهم السحب الناشئة في تقليل الحرارة لكنها قد تؤدي لاحتجاز أشعة تحت الحمراء.
تشدد الدراسة على ضرورة الحفاظ على التنوع البيولوجي والنظم البيئية.
تحت سطح القارة القطبية الجنوبية الجليدي يكمن سر غريب ومثير للاهتمام، اكتشف العلماء مؤخراً أن فضلات البطاريق ذات الرائحة الكريهة، قد تكون لها تأثيرات مناخية مفيدة في مواجهة ارتفاع درجات الحرارة هناك.
ففي وقتٍ تعاني فيه قارة أنتاركتيكا من التأثيرات الحادة لتغير المناخ العالمي، من ذوبان الجليد وارتفاع درجات الحرارة، ظهرت دراسة جديدة نشرت في مجلة Communications Earth & Environment، تكشف عن دور غير متوقع لفضلات البطاريق - والمعروفة علمياً بمصطلح "جوانو" - في مكافحة ارتفاع الحرارة في المنطقة.
وهنا يأتي التساؤل: كيف لشيء كريه مثل فضلات طائر بحري أن تساهم في إنقاذ منطقة بأكملها من آثار التغير المناخي؟
تبين الدراسة بقيادة الباحث ماثيو بوير، المختص بعلوم الغلاف الجوي في جامعة هلسنكي، أن الجوانو يطلق كميات كبيرة من غاز الأمونيا في الجو. هذه الأمونيا تتفاعل مع الغازات الكبريتية التي تتصاعد من العوالق النباتية "الفيتوبلانكتون"، منتجةً ذرات هوائية دقيقة تسمى "الهباء الجوي" (إيروسولات). وتعتبر هذه الإيروسولات ذات أهمية بالغة؛ إذ تساعد على تشكيل الغيوم التي تعمل كحاجز طبيعي يعكس أشعة الشمس، مما يخفف من حدة التسخين.
ومن أجل تأكيد نتائجهم هذه، قام العلماء بالدراسة الميدانية في قاعدة مارامبيو الأرجنتينية على جزيرة سيمور بالقرب من الحافة الشمالية لشبه الجزيرة القطبية الجنوبية، وعلى مدار ثلاثة أشهر متواصلة، تزامنت مع فترة النشاط القصوى لمستعمرات البطاريق. أظهرت القياسات وجود تركيز عالٍ جداً من الأمونيا القادمة من مستعمرة مجاورة تصل إلى ١٣٫٥ من الأجزاء لكل مليار، وهي نسبة أعلى بمقدار ألف مرة من المتوسط الطبيعي للغلاف الجوي في المنطقة.
ومما أثار اهتمام العلماء هو استمرار بعض التأثير حتى بعد مغادرة البطاريق لمستعمراتها الموسمية، فالتراب المشبع بالجوانو استمر في بث الأمونيا وكأنه مصدر كيماوي بطيء الإطلاق، ما يعزز استمرار ظاهرة تشكيل الغيوم بشكل واضح.
هذا الاكتشاف يسلط الضوء على علاقة قوية بين مكونات النظام البيئي في القطب الجنوبي من ناحية، والعمليات الجوية من ناحية أخرى. ومع أن السحب التي تُكوَّن عبر هذه العملية تقلل من حرارة المنطقة الساحلية عموماً، تشير الدراسة إلى أن تأثيرها قد يكون مزدوجاً. فعلى الرغم من فعالية السحب في عكس أشعة الشمس والتبريد، إلا أنها قد تساهم في احتجاز أشعة تحت الحمراء فوق الكتل الجليدية البيضاء، مما قد يؤدي لتأثيرات معقدة تحتاج لمزيد من الدراسة والتحليل.
وتؤكد دقة هذه النتائج أهمية المحافظة على التنوّع البيولوجي والنظم البيئية، لأن اختلالها قد يتسبب في تفاقم بعض جوانب تغير المناخ. وفي ضوء ذلك، ربما يكون من الأنسب أن نشير إلى فضلات البطاريق، بدلًا من كلمة "كريهة" فقط، بتسميتها مادة "ذات تأثير مهم" أو "عنصرًا حيويًا" في الحفاظ على اتزان نظامنا البيئي وعالمنا المناخي المترابط. وبعد كل شيء، يبدو أن الطبيعة دومًا تملك قدرة على مفاجأتنا حتى في الأشياء الأقل جاذبية.