ذكاء اصطناعي

فصول السنة لم تعد تتبع تقويمها… الأقمار الصناعية تكشف فوضى المواسم

محمد كمال
محمد كمال

3 د

تفقد الفصول تزامنها، إذ تكشف الأقمار الصناعية تحولات غير متوقعة بمواعيد نمو النباتات.

أظهرت دراسة أن الفينولوجيا النباتية تتغير مما يؤثر على التنوع البيولوجي والزراعة.

مناطق "النقاط الساخنة" تظهر اختلافات موسمية لمتباينة بسبب الظروف البيئية.

المناطق ذات المناخ "المتوسطي" تشهد نمواً مزدوجاً للنباتات بسبب تفاعل الأمطار والتضاريس.

تؤثر هذه التغيرات على التكاثر الحيواني والزراعي، مما يتطلب مراقبة بيئية أكثر دقة.

يشهد كوكب الأرض تحولات غير متوقعة في مواعيد الفصول، إذ توصلت دراسة حديثة قائمة على مراقبة الأقمار الصناعية إلى نتائج مثيرة بشأن تداخل مواعيد نمو النباتات وتغير النظم البيئية على مستوى العالم. تظهر هذه النتائج أن الصورة النمطية حول تتابع الفصول بشكل منتظم باتت تحتاج إلى إعادة نظر، مع انكشاف مناطق تعيش مواسمها في أوقات لا تتماشى مع المحيط، ما قد يحمل آثارًا واسعة على التنوع البيولوجي والزراعة وحتى تغيّر المناخ.

من المعتاد أن يتوقع الإنسان مواعيد الربيع والصيف والخريف والشتاء وفق نسق محدد. لكن الدراسة الأخيرة التي نشرتها مجلة "نيتشر" قلبت هذه التوقعات رأسًا على عقب. إذ اعتمد فريق من الباحثين، بقيادة الخبير البيئي درو تيراساكي هارت من منظمة CSIRO العلمية، على تحليل بيانات الأقمار الصناعية على مدى عشرين عامًا.

هذه التقنية المتطورة كشفت أن جداول نمو النبات، أو ما يُعرف بظاهرة "الفينولوجيا"، تختلف بشكل لافت من منطقة لأخرى. بصورة أوضح، هناك بقع حرجة أو "نقاط ساخنة" على الأرض حيث يأتي نمو النباتات مزاحمًا بين أنماط موسمية مختلفة حتى لو فصلتها كيلومترات قليلة فقط عن بعضها البعض.

وهنا يصبح الضرر أو التأثير البيئي أوضح، حيث يؤكد الخبراء أن الفينولوجيا النباتية – أي توقيت التغيرات السنوية في النباتات كالازدهار أو الخمول – له دور جوهري في السلسلة الغذائية والتنوع الحيوي. المناطق القريبة من خط الاستواء، والمناطق الجبلية أو الانتقالية بين مناخ وآخر، تتجلى فيها هذه الاختلافات الموسمية بطريقة لافتة. فعلى سبيل المثال، وجدت الدراسة أن مدينتي فينيكس وتوسون في أريزونا، رغم بعدهما فقط 160 كيلومترًا، تعيشان توقيتات مختلفة في ازدهار النباتات بسبب اختلاف المطر ودرجات الحرارة والتضاريس. وهذا الأمر يؤثر جدياً على الزراعة المحلية ويعيد رسم خرائط توزيع الحشرات وحتى الطيور المهاجرة في تلك المناطق.

وتستمر المفاجآت حين ننظر إلى ما توصل إليه الباحثون حول المناطق ذات المناخ "المتوسطي" مثل كاليفورنيا، تشيلي، جنوب أستراليا، جنوب إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط نفسه. هذه المناطق تشهد ظاهرة "الذروة المزدوجة" في الموسمية، حيث تسجل الغابات أعلى نمو للنباتات متأخرة بحوالي شهرين عن المناطق المحيطة. ويرى العلماء أن ذلك نتيجة تفاعل الأمطار الموسمية مع التضاريس والحرارة، ما يخلق تباينات زمنية ملحوظة في دورة حياة النباتات ومن ثم الكائنات المرتبطة بها، من الحشرات حتى الطيور والرعي الحيواني.

مع تزايد هذه الأنماط غير المتزامنة، تتعمق آثارها على التنوع البيولوجي. فقد لاحظ العلماء أن كثيرًا من النقاط الساخنة لهذه الاختلافات الزمنية تتطابق مع مناطق تعرف بغناها البيولوجي وتنوعها الوراثي. فتغيّر توقيت ازدهار النباتات أو وفرة الموارد يمكن أن يعطل تزامن التكاثر لدى الحيوانات والنباتات، الأمر الذي قد يقلل من فرص التزاوج والاختلاط الوراثي بين الكائنات المجاورة.

في مناطق مثل جبال كولومبيا، حيث تفصل تضاريس الطبيعة مزارع البن، يتأثر توقيت تكاثر الكائنات بدرجة تجعل الاختلاف الزمني بين مجموعات متجاورة مساو تقريبًا للفروق بين نصفَي الكرة الأرضية. والنتيجة؟ احتمالات عالية لتكوّن أنواع جديدة مع مرور الزمن بسبب هذه الفروق الزمنية المعقدة.

ذو صلة

ولعل ما يجعل هذه الدراسة بالغة الأهمية، أنها تعيد رسم فهمنا للعلاقة الوثيقة بين عوامل المناخ والتضاريس ونمط توزيع الحياة النباتية والحيوانية. تبرز ظواهر مثل المرونة البيئية، مواسم النمو، الموارد الطبيعية المحلية، وحتى تأثير التغير المناخي على نظم الزراعة وإمدادات الغذاء.

خلاصة القول، تشير نتائج الدراسة إلى أن كوكب الأرض بات يعيش عصرًا تكثر فيه الفروق الدقيقة بين المناطق فيما يخص توقيت الفصول ودورات الحياة البرية. كل ذلك يفرض تحديات جديدة أمام العلماء والمزارعين وصناع القرار، ويعيد التأكيد على حاجة العالم لمزيد من المراقبة الدقيقة للنظم البيئية وفهم ديناميكياتها المتغيرة باستمرار. فربما يكون هذا التباين الموسمي، رغم أنه مصدر قلق، فرصة لفهم العمق الرائع الذي يميز كوكبنا الأزرق عن غيره.

ذو صلة