في قلب النفايات… العلماء يعثرون على ثروة نادرة بملايين الأطنان

3 د
كشف علماء عن وجود معادن نادرة مخبأة في رماد الفحم.
تسهل عملية الحرق استخراج المعادن وتقلل من تكلفة التكرير التقليدية.
تحتوي رواسب حوض الأبالاتشي على أعلى تركيزات، لكن استردادها صعب.
قد تستفيد الولايات المتحدة بأكثر من 8,4 مليار دولار من هذا المورد الاستراتيجي.
يدعم هذا الاكتشاف التكنولوجيا الحديثة ويقلل الاعتماد على المصادر الخارجية.
اكتشافٌ جديدٌ قد يغيّر قواعد اللعبة في عالم الصناعة والتعدين: علماء يتمكنون من العثور على 11 مليون طن من معادن الأرض النادرة مخبأة في رماد الفحم، ما قد يعيد تشكيل خريطة إمدادات المعادن عالمياً ويلقي الضوء من جديد على مخلفات لطالما كانت تُصنَّف على أنها عديمة القيمة ومجرد نفايات صناعية.
ظل رماد الفحم لفترة طويلة محصوراً في دوره كناتج جانبي لمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم، وكثيراً ما اعتُبر عبئاً على البيئة؛ لكن الكشف الأخير من جامعة تكساس في أوستن ثمّن هذا الرماد المُهمَل، وبيّن وجود نسب عالية من معادن أرضية نادرة ضرورية جداً لتطوير التكنولوجيا الحديثة وصناعة السيارات الكهربائية، مثل اللانثانيوم، السيريو، النيوديميوم، والديسبروسيوم.
وتكمن أهمية هذا الاكتشاف الجديد في أن عمليات حرق الفحم نفسها قد سهّلت من عملية استخراج هذه المعادن بحكم تركزها عبر الاحتراق، ما قلل الحاجة إلى تقنيات التكرير التقليدية المكلفة والمعقّدة. هذا الاختصار في مرحلة المعالجة من شأنه أن يجعل العملية أقل كلفة ماليًا وأكثر سلامة للبيئة مقارنةً بالتعدين التقليدي.
هذا الاكتشاف لا يأتي وحيداً، إذ يسلط الضوء أيضاً على الاختلافات الجوهرية بين المناطق المختلفة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد وُجد أن رواسب حوض الأبالاتشي تحتوي على أعلى تركيزات من المعادن النادرة بمعدل 431 ملليغراماً لكل كيلوغرام، إلا أن القابلية لاستخراج هذه المعادن في هذه المنطقة لا تتجاوز 30%. وعلى العكس، تُظهر ترسّبات منطقة نهر بودر تركيزات أقل، حوالي 264 ملليغراماً لكل كيلوغرام، لكنها تُظهر معدلات استرداد أعلى تصل إلى 70%، ما يجعل من عملية استخراج المعادن من منطقتها أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية.
ويدعو هذا التفاوت الباحثين والمتخصصين إلى تطوير استراتيجيات استخراج خاصّة بكل منطقة وفق إمكانياتها، حيث تؤكد بريدجت سكانلون، الباحثة المشاركة في الدراسة، أن "هذا الاختلاف يحدّد كثيراً من خطط الاستخراج المستقبلية ويؤكد ضرورة التخطيط الدقيق قبل البدء في الاستثمار والتشغيل". وهذه النقطة تحديداً قد تتيح للولايات المتحدة فرصة استراتيجية قيّمة لتقليل الاعتماد على الأسواق الدولية وتأمين إمدادات محلية مستقرة.
وبالإضافة إلى القيمة الاقتصادية، تكمن أهمية هذا الاكتشاف في كونه يمنح الولايات المتحدة مورداً استراتيجياً قد يعادل ما يقارب 8.4 مليارات دولار أمريكي. وهو الأمر الذي يكتسب أهميةً متزايدة إذا علمنا أن الصين حالياً تتحكم في نحو نصف احتياطي العالم من المعادن النادرة، وتسيطر على معظم عمليات إنتاجها ومعالجتها، ما يجعل هذا الاكتشاف خطوة عملية نحو تقليل الاعتماد على مصادر خارجية.
كما أنها خطوة تدعم التكنولوجيا الحديثة الصديقة للبيئة مثل توربينات الرياح، والإلكترونيات الذكية، ومحركات السيارات الكهربائية، وكل ذلك من خلال استغلال موارد لطالما كانت مغفلة وتحت رحمة النفايات الصناعية المهملة.
سلسلة هذه الاكتشافات المتتالية تعكس إمكانات البشرية الرائعة في استغلال الموارد المرئية والمخفية بشكل أكثر فعالية ورشداً. تماماً كما توصل الباحثون مؤخرا إلى إمكانات متجددة قادمة حتى من مصادر لم يخطر ببالنا أنها يمكن أن توفر لنا هذه الفوائد الكبيرة. وهكذا، فإن سعي الإنسان المستمر نحو الابتكار يكشف في كل مرة عن باقة غنيّة من المفاجآت والفوائد.
ولعل ما ينبغي التركيز عليه في الخطوات المقبلة— إلى جانب تطوير التكنولوجيا اللازمة لاستخلاص هذه المعادن بكفاءة— هو رسم خطط استراتيجية متكاملة تأخذ في الاعتبار الآثار البيئية المستقبلية، والتركيز بشكل أكبر على الأبحاث التطبيقية التي تتيح استخراج هذه الثروة بهدوء وأمان، لضمان استدامة طويلة الأمد لهذه الموارد المهمة، والدفع بعجلة الاقتصاد الوطني نحو آفاق أكثر تقدماً وازدهاراً.