ذكاء اصطناعي

كلنا أبناء كائن واحد… والبداية أبعد وأغرب مما تخيلنا

كلنا أبناء كائن واحد… والبداية أبعد وأغرب مما تخيلنا
فريق العمل
فريق العمل

4 د

أعادت الدراسات الجديدة تقدير عمر الجد المشترك الأخير العالمي إلى 4,2 مليار سنة.

كان LUCA كائنًا معقدًا يمتلك جينات وآليات بيولوجية مثل DNA والرايبوسومات.

يُعتقد أن LUCA عاش في بيئات بحرية قاسية، مما شكل بيئة مثالية لنشوء الحياة.

تدعم نتائج الدراسة إمكانية وجود حياة معقدة على كواكب أخرى في ظروف مشابهة للأرض.

تخيلوا معي لحظة، أن كل المخلوقات الحية التي نعرفها، من أصغر بكتيريا إلى أضخم فيل، ومن نبات عادي إلى الإنسان نفسه، جميعها جاء من كائن واحد بسيط عاش منذ مليارات السنين. الآن تجددت قصة هذا الكائن الغامض مع اكتشاف جديد، يعد ثورة علمية وضّحت لنا أن عمر جدنا المشترك الممتد لمليارات الأعوام هو في الواقع أقدم مما كنا نتوقع سابقًا.


اكتشاف يُعيد رسم شجرة الحياة من جديد

في دراسة حديثة نشرتها مجلة "نايتشر إيكولوجي آند إيفولوشن"، استطاع فريق دولي من الباحثين، بقيادة الدكتور إدموند مودي من جامعة بريستول البريطانية، أن يُعيد تقدير سن "الجد المشترك الأخير العالمي" — المعروف اختصارًا بـ LUCA (Last Universal Common Ancestor) أي السلف المشترك العالمي الأخير — إلى حوالي 4.2 مليار سنة، وهو تاريخ أقدم بكثير مما كان يُعتقد سابقًا (3.8 مليار سنة).

LUCA ليس أول كائن حي، لكنه يعد الجد الأقدم الذي تربطنا به جميع الكائنات الحية الحالية. منه انبثقت الفروع الثلاثة الكبرى للحياة المعروفة: بكتيريا، أركيا (كائنات دقيقة تختلف كثيرًا في خصائصها عن البكتيريا التقليدية)، ويُعتقد أن الفرع الثالث، وهو يوكاريوت، تطور لاحقًا لينتج كائنات معقدة متعددة الخلايا، من الفطريات والنباتات إلى الحيوانات والبشر.


كيف تم تحديد عمر LUCA بهذا الدقة؟

في بحثهم، لجأ العلماء إلى تقنية متقدمة تعرف بـ"التحليل الوراثي النشوئي" (Phylogenetic Analysis)، والتي تهدف إلى تتبُّع مسار التطور عبر مقارنة الطفرات الوراثية والجينات بين العديد من الكائنات الحية المعاصرة. بكلمات أبسط، تخيلوا أن الجينات هي "ساعات" تدق بانتظام عبر ملايين السنين؛ من خلال مقارنة الفروق الجينية بين الأنواع الحية اليوم وتلك المتحجرة، استطاع الفريق أن يعيد عقارب هذه الساعة إلى الوراء، ليصلوا في نهاية الأمر إلى وقت عاش فيه هذا الجد العالمي المشترك.

خبراء الدراسة استفادوا أيضًا من معلومات دقيقة من بعض الحفريات التي تم اكتشافها سابقًا، مما مكنهم من إعادة ضبط أو "معايرة" الساعة البيولوجية بدقة أكبر. وبهذه الطريقة، أكدوا بثقة كبيرة تاريخ حدوث التفرعات المبكرة للحياة.


جدنا القديم كان كائنًا معقّدًا أكثر مما نتصور!

بعكس الافتراض السائد بأن الحياة الأولى على الأرض كانت بدائية وبسيطة للغاية، كشف البحث الجديد أن LUCA كان بالفعل كائنًا معقّدًا نسبيًا بمقاييس البكتيريا الحالية، امتلك أنظمة أساسية للحياة مثل الجينات المبنية على الـDNA، وآليات إنتاج البروتين (الرايبوسومات)، بالإضافة إلى القدرة على استغلال الطاقة بعملية التمثيل الغذائي، مستعينًا بجزيء معروف بـATP، وهو متواجد في جميع الكائنات الحية الحالية.

بل الأكثر مفاجأة، أن هذا الكائن البسيط ربما كان لديه بالفعل نوعًا بدائيًا من الدفاع المناعي لحماية نفسه من الفيروسات. وهذا يعني بوضوح أن الفيروسات كانت حاضرة منذ ذلك الوقت البعيد، ما يشير إلى أن الحياة القديمة كانت تعيش ضمن نظام بيئي نشط، وليس مجرد حالة معزولة.


بيئة قاسية لكن مثالية لبداية الحياة

الفريق العلمي يفترض أن LUCA عاش في بيئات بحرية قاسية، مثل الفوهات الحرارية المائية الموجودة في أعماق المحيطات، حيث الحرارة الشديدة، الضغط المرتفع، والمياه الغنية بالمعادن، وهي بالضبط الظروف الكيميائية التي يعتقد العلماء أنها وفرت الوسط المثالي لظهور الحياة الأولى على كوكبنا. وتتفق هذه النتائج بشكل مثير للاهتمام مع نظرية "الفوهات القاعدية البحرية" (alkaline vent theory)، والتي تعد واحدة من أبرز النظريات الحديثة حول أصل الحياة.


أول نظام بيئي و"تدوير بيولوجي" على الإطلاق

ولكن LUCA لم يكن وحيدًا، يقول الدكتور تيم لينتون من جامعة إكستر:


"ربما كانت فضلات LUCA طعامًا لأنواع أخرى من الميكروبات، بهذه الطريقة، نشأ 'نظام بيئي' مبكر قابَل للحياة، وكانت هذه الدورة البدائية من إعادة التدوير للكمية الحيوية تشبه إلى حد كبير النظم البيئية الحديثة".

هذا التصور يعطي لمحة مدهشة عن حياة مبكرة نشطة ومتفاعلة على كوكب كان من المفترض أنه قاحل وبسيط.


ماذا يعني هذا بالنسبة لسؤال الحياة في الكون؟

هذه النتائج تدعم رؤية عصرية جديدة تقول إن الحياة، بمجرد توفر الظروف المناسبة لها، يمكنها أن تنشأ بسرعة وأن تكون معقدة نسبيًا. تقول الباحثة ساندرا ألفاريز كارّيتيرو: "حقيقة أننا وجدنا LUCA أقدم مما توقعنا تتفق مع فرضيات عصرية حول قدرة الأرض المبكرة على احتضان الحياة".

ذو صلة

وهذا يعني ببساطة شديدة أن الكواكب التي تشابه كوكبنا في ظروفه الأولية قد تكون هي الأخرى مساحات خصبة لظهور الحياة، ما يفتح مجالًا أوسع لتوقع العثور على حياة، وربما معقدة، في أماكن مختلفة من هذا الكون الواسع.

في نهاية المطاف، تدعونا هذه الدراسة الجديدة إلى إعادة التفكير في مفهومنا عن الحياة نفسها، كيف بدأت، ومدى انتشارها في الكون، متحدية كل ما اعتقدناه سابقًا عن بساطة الكائنات الأولى، ومذكرةً إيانا بأن القصص التي تحملها خلايانا وجيناتنا قد تكون أعقد وأقدم بكثير مما كنا نتصور.

ذو صلة