ذكاء اصطناعي

آيفون أمريكي 100%؟ حقيقة أم مجرد حلم بعيد المنال؟

آيفون أمريكي 100%؟ حقيقة أم مجرد حلم بعيد المنال؟
مجد الشيخ
مجد الشيخ

3 د

تواجه فكرة تصنيع الآيفون في أمريكا تحديات اقتصادية ومالية كبيرة جدًا.

يعتمد الآيفون على سلسلة توريد عالمية معقدة تشمل عشرات الدول.

يتطلب نقل التصنيع لأمريكا تطوير طويل الأمد وتكاليف باهظة.

تبدو فكرة تصنيع الآيفون بالكامل في الولايات المتحدة حاليًا حلمًا بعيد المنال.

منذ أيام، ظهر وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك على شاشة قناة سي بي إس الأمريكية، وأبدى تفاؤله الكبير حول إمكانية تصنيع الآيفون بالكامل داخل الولايات المتحدة، واعتبر ذلك خطوة هامة لإحياء الصناعة الأمريكية وتوفير ملايين فرص العمل للمواطنين، خاصة أصحاب التعليم الثانوي من الفنيين والكهربائيين والمتخصصين في مجالات التبريد والتكييف، بدأت هذه الفكرة بعد الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على الصين والصدمة الكبيرة التي خلفتها لدى آبل، ولكن، هل من الممكن أن يصبح هذا الكلام واقعًا؟


تحديات كبيرة تجعل التصنيع الأمريكي للآيفون فكرة مستحيلة

في الحقيقة، تبدو هذه الفكرة رائعة على الورق، لكنها في الواقع أبعد ما تكون عن إمكانية التحقيق الفعلي. على مدى سنوات طويلة ظلت فكرة تصنيع أجهزة الآيفون بالكامل في أمريكا أمنية يحب ترديدها السياسيون الأمريكيون، كإثبات على استعادة قوة الصناعة المحلية، ولكن في واقع الأمر، إذا نظرنا لتفاصيل إنتاج الآيفون، سندرك أنه من شبه المستحيل تنفيذ هذا الأمر بالصورة التي يتم الحديث عنها حاليًا.

ولننطلق من التكلفة الاقتصادية، التي تعد عائقًا كبيرًا أمام هذه الفكرة. فقد قدرت سابقًا تقارير اقتصادية متنوعة أن التكلفة الافتراضية لإنتاج الآيفون في أمريكا سترتفع بشكل هائل. بعض التقديرات المتداولة مؤخرًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام تشير إلى أسعار صادمة، فهناك تقرير يعود للعام 2018 قدر سعر الآيفون في حال إنتاجه كاملًا بالولايات المتحدة بنحو ثلاثين ألف دولار، وتقرير آخر نشرته وكالة رويترز قدّر تكلفة الجهاز بنحو 2300 دولار عند فرض رسوم جمركية مرتفعة. الأسعار الحقيقية قد لا تكون بهذا الارتفاع الجنوني، ولكنها بالتأكيد ستكون مرتفعة جداً مقارنة بالسعر الحالي.


تداخل معقد في السلاسل العالمية للإنتاج

هناك نقطة مهمة تغيب عن الأذهان أحيانًا عندما يتعلق الأمر بالآيفون وهي أنه ببساطة منتج عالمي في جوهره وطبيعته. كيف هذا؟ إذا فككنا الجهاز ونظرنا لقطعه الداخلية، سنجد أنها مصنعة ومصممّة ومنتجة في عشرات الدول حول العالم. بالإضافة إلى ذلك، المعادن التي تدخل في صناعته تستخرج من أماكن عديدة، وهذه السلسلة الضخمة من الموردين الدوليين والتجهيزات اللوجستية والتصنيعية ليست سهلة التغيير بين ليلة وضحاها.

هذا الوضع يجعل من عقدة "الآيفون المصنوع في الولايات المتحدة" أصعب من مجرد نقل مصنع من الصين إلى الأراضي الأمريكية. تغيير هذه السلاسل العالمية المعقدة يحتاج إلى سنوات طويلة جداً من التطوير، وقد يؤدي في حال حدوثه بشكل متسرع إلى اضطرابات كبرى وخسائر مالية طائلة، وهذا إذا افترضنا أصلاً وجود الإمكانات المطلوبة لإعادة بناء تصنيع تقني عالي الجودة وبأعداد مهولة في أمريكا بهذه السرعة.


التداعيات العملية والسياسية

ونتطلع إلى مسألة أخرى، وهي تأثير مثل هذه الخطوات على الواقع الصناعي الأمريكي. في حال قررت جميع الشركات الكبرى القيام بنقل مصانعها الضخمة للولايات المتحدة في خطوة واحدة، فإن هذا سيولد مشاكل كبيرة في البنية الأساسية الصناعية المحلية، التي ليست بعد مستعدة لتحمل هذه المسؤولية.

كما أن مسألة الكوادر المؤهلة والتقنيات اللازمة والمهارات العملية البشرية هي معضلة أخرى ستقف حجر عثرة في وجه هذا التصور. صحيح أن التفكير في فتح أبواب الفرص لملايين المواطنين الأمريكيين يبدو ملهماً ومشجعاً، ولكن هذه الثقافة الصناعية لم تعد قائمة كما كانت في السابق، وإعادتها تحتاج إلى سنوات وربما عقود.


النظرة الواقعية لفكرة تصنيع الآيفون في أمريكا

ولتوضيح الصورة بشكل واقعي أكثر، نلقي نظرة على تصريحات شركة آبل نفسها، التي تقول بوضوح على موقعها الرسمي:


"صُمّم بواسطة آبل في كاليفورنيا، وصنع بواسطة الناس في كل مكان بالعالم"

ذو صلة

وتؤكد بهذا أنها شركة ذات هوية أمريكية، لكنها ذات طبيعة عالمية في الأساس وفي آلية العمل والتصنيع، وأن تصنيع منتجها الشهير في الولايات المتحدة بصورة كاملة هو أمر مستحيل من الناحية العملية في الوقت الحالي.

ختامًا، قد تبدو عبارات السياسيين الأمريكيين مريحة وجذابة للجمهور، لكنها في النهاية تظل مجرد وعود نظرية. الواقع يقول إن الطريق نحو تصنيع منتج معقد ومتطور كالآيفون بالكامل داخل أمريكا لا يزال طويلاً للغاية وأقرب إلى الحلم الذي يصعب تحقيقه على أرض الواقع.

ذو صلة