إذا ذاب كل الجليد… وجه الأرض لن يعود كما نعرفه

4 د
ذوبان الجليد القطبي يُهدد المدن الساحلية حول العالم بالغرق.
ارتفاع مستوى البحر نتيجة ذوبان الجليد قد يزيل مدنًا شهيرة.
احتراق الوقود الأحفوري يُسبب ارتفاع الحرارة ويعجل بذوبان الجليد.
إجراءات مناخية عاجلة ضرورية لتفادي كارثة بيئية وإنسانية كبرى.
عندما نتحدث عن ذوبان الجليد القطبي، قد يتبادر إلى الذهن مباشرة مشاهد أفلام الكوارث والخيال العلمي، ولكن هذه القضية لم تعد خيالًا، بل أصبحت خطرًا حقيقيًا يهدد مستقبل البشرية بسبب التغيّر المناخي الذي نعاني منه حاليًا.
ذوبان جليد الأرض... لماذا علينا أن نقلق؟
أشارت خرائط حديثة تم جمعها وعرضها في تقرير لموقع "بيزنس إنسايدر ساينس" إلى احتمال حدوث نتائج كارثية إذا ذاب كل الجليد الموجود على اليابسة حول العالم، خصوصًا في مناطق مثل القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) وجزيرة جرينلاند التي تضم أكبر كتل جليدية على كوكب الأرض.
هذه الجبال الجليدية، التي قد يبدو لنا أحيانًا كأنها بعيدة ولا تؤثر علينا بشكل مباشر، تختزن كميات هائلة من المياه العذبة، تُقدر مساحتها بأكثر من ستة ملايين ميل مربع. إذا ذابت تمامًا، فمن المرجح جدًا أن يرتفع مستوى سطح البحر بما يصل إلى حوالي 200 قدم، وهو ارتفاع ضخم يكفي لمحو مدن بكاملها من خريطة العالم.
هل مدينتك معرضة للخطر؟
تخيل معي للحظة، أماكن سياحية شهيرة مثل مدينة البندقية الجميلة وقنواتها الشهيرة، أو مدينة ميامي الرائعة بشواطئها المشهورة، وقد ابتلعها المحيط تمامًا. هذا ليس سيناريو خياليًا مبالغًا به، بل هو مصير محتمل إذا لم ننجح في السيطرة على ارتفاع درجات حرارة الأرض.
هناك مدن رئيسية أخرى تواجه المصير ذاته، مدن مثل بروكسل، العاصمة البلجيكية المتميزة بمبانيها التاريخية، ومناطق من الساحل الشرقي الأمريكي مثل نيويورك وفلوريدا بأكملها. أما في أفريقيا، فمدن مثل داكار في السنغال وأكرا في غانا قد تتعرض للغرق، بينما تبقى مدن الشرق الأوسط مثل جدة في السعودية معرضة أيضًا للخطر.
وفي آسيا، فإن مدنًا كبرى تأوي ملايين السكان، مثل طوكيو اليابانية وشنغهاي الصينية ومومباي الهندية، يمكن أن تختفي بالكامل تحت المياه، مما يؤدي إلى أزمة إنسانية واسعة النطاق، ونزوح مئات الملايين من البشر بعيدًا عن الشواطئ.
في جنوب القارة الأمريكية، ليس الوضع أفضل حالًا، فمدن حيوية مثل ريو دي جانيرو في البرازيل وبوينس أيرس في الأرجنتين باتت ضمن هذه القائمة المُقلقة أيضًا.
لماذا يحدث هذا؟
يعزو العلماء هذه المشكلة بشكل رئيسي إلى الاحتباس الحراري الناجم عن الغازات الدفيئة التي تنتج عن احتراق مصادر الوقود الأحفوري مثل البترول والفحم. هذه الغازات، لا سيما ثاني أكسيد الكربون، تحبس الحرارة المنبعثة من الأرض نتيجة لأشعة الشمس، مما يجعل كوكبنا أكثر دفئًا.
هذا الارتفاع المستمر في درجة حرارة الأرض يُسرّع عملية ذوبان الجليد في المناطق القطبية، التي تصب مياهها الذائبة في المحيطات مباشرة، لتتسبب في ارتفاع منسوب مياه البحر بشكل متسارع. ويحذر العلماء من أننا قد نصل قريبًا إلى نقطة اللاعودة، حيث تصل هذه العملية إلى مرحلة التصاعد المتسارعة بشكل لا يُمكن التحكم به أو العودة للوراء.
عودة إلى التاريخ وإلى المستقبل
وقد سبق للكرة الأرضية أن شهدت من قبل أوضاعًا مشابهة، تحديدًا قبل حوالي 125 ألف سنة في فترة تسمى "آخر ذروة بين العصرين الجليديين"، حيث ارتفع مستوى البحر بحوالي ستة إلى تسعة أمتار (حوالي 20 إلى 30 قدمًا). لكن الفرق اليوم هو سرعة حدوث ذلك، والسبب الرئيسي هو النشاط البشري الذي يساهم مباشرةً في تدفئة الكوكب بسرعة غير مسبوقة.
هذه السرعة المرعبة التي نقترب بها من نقطة اللاعودة تحتم علينا المسؤولية الفورية. نحن الآن في سباق مع الزمن للحد من الانبعاثات ووقف التدهور البيئي للحفاظ على بقاء مدننا والحياة الإنسانية كما عرفناها.
التأثير الاجتماعي للكوارث البيئية
في حال تحققت مثل هذه السيناريوهات المقلقة، فلن يقتصر الأمر على خسائر مادية وتدمير مدن. بل سيؤدي ذلك بلا شك إلى واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في التاريخ، مع نزوح مئات الملايين من البشر من مناطق كانت مأهولة تاريخيًا. هذا النزوح سيخلق ضغطًا كبيرًا على الموارد الاقتصادية والاجتماعية والبنية التحتية في المناطق الداخلية التي ستستقبل اللاجئين البيئيين.
ما العمل الآن؟
لكن ما زال أمامنا فسحة من الأمل. يؤكد العلماء باستمرار أن الأمر متوقف علينا بالكامل، فالخيارات التي نتخذها اليوم بشأن كيف نستهلك الطاقة ونحافظ على بيئتنا هي التي ستُحدد مستقبل الحياة على هذا الكوكب. فالكرة ما زالت في ملعبنا، والفرصة ما زالت بيدنا لنتفادى هذه الكارثة المستقبلية التي باتت أقرب من أي وقت مَضى.