الضوء أصبح يتحكم بنفسه… والبشر على أعتاب جيل جديد من الحوسبة!

3 د
أعلن مهندسون من جامعة جنوب كاليفورنيا عن ابتكار جهاز بصري جديد للضوء.
الجهاز يجعل الضوء يسلك بنفسه الطريق الأمثل وفقًا لمبادئ الديناميكا الحرارية.
يهدف الاكتشاف إلى تبسيط أنظمة الاتصالات الحديثة لتحسين سرعة وسعة البيانات.
يعتمد الابتكار على مفهوم "الديناميكا الحرارية البصرية" لتوجيه الضوء ذاتيًا داخل الجهاز.
يمكن أن يغير الابتكار مستقبل الحوسبة، ويساهم في تطوير شرائح وأجهزة ضوئية ذكية.
في خطوة علمية طموحة قد تعيد رسم معالم عالم التقنية، أعلن مهندسون من جامعة جنوب كاليفورنيا (USC) عن ابتكار جهاز بصري جديد يسمح للضوء بتحديد مساره تلقائيًا باستخدام مبادئ الديناميكا الحرارية، من دون الحاجة إلى مفاتيح أو أدوات تحكم تقليدية. هذا الاكتشاف، الذي نُشر مؤخرًا في مجلة *نيتشر فوتونيكس*، قد يمهّد الطريق لثورة في مجالات نقل البيانات والحوسبة والاتصالات البصرية.
الضوء الذي يسير في طريقه بنفسه
بدلًا من توجيه الضوء عبر مفاتيح ومتحكمات رقمية معقدة، صُمّم الجهاز الجديد بطريقة تجعل الضوء يسلك بنفسه الطريق الأمثل داخل النظام وفقًا لقوانين الحرارة والطاقة. يشرح الباحثون العملية بمثال بسيط: «تخيل متاهة كروية تنظم نفسها، ما إن تضع الكرة حتى تتدحرج تلقائيًا نحو المخرج الصحيح من دون أي تدخل». الفكرة التي توحي بها هذه التجربة البصرية هي تأسيس وسيلة طبيعية لتنظيم سلوك الفوتونات في الأجهزة الضوئية.
وهذا يربط بين المبدأ الجديد وحلم المهندسين بتبسيط أنظمة الاتصالات الحديثة التي باتت تتطلب سعة وسرعة أكبر مما تسمح به الإلكترونيات التقليدية.
من الصمامات إلى الليزر الذاتي التنظيم
في الأنظمة الميكانيكية يتم توجيه تدفق السوائل عبر صمامات تحكم، بينما في الشبكات الإلكترونية تتكفّل المبدلات (الراوترات) بتحديد مسار البيانات. أما في عالم الفوتونات، فالأمر أكثر تعقيدًا؛ إذ تتطلب التوصيلات الضوئية الحالية هياكل مليئة بالمفاتيح الدقيقة والدارات الإلكترونية التي تبطئ الأداء. الابتكار الجديد يقدم بديلاً يعتمد على ما يسمى بـ«الديناميكا الحرارية البصرية» حيث يتمكّن الضوء من إعادة تنظيم نفسه تلقائيًا داخل البنية غير الخطّية للجهاز.
الإمكانات الصناعية والتطبيقات المحتملة
قد يمتد تأثير هذا المفهوم إلى أبعد من المختبرات. فمع اقتراب أنظمة الحوسبة والإلكترونيات من حدودها الفيزيائية القصوى، يتجه عمالقة التكنولوجيا مثل إنفيديا وغيرها إلى البحث عن حلول ضوئية أسرع وأقل استهلاكًا للطاقة. إدخال مبدأ التنظيم الذاتي للضوء يمكن أن يُحدث نقلة نوعية في تصنيع شرائح المستقبل، ويطوّر أداء مراكز البيانات وشبكات الاتصالات وحتى أنظمة الحوسبة الكمومية.
وهذا بدوره يعزز الترابط بين العلم النظري والتطبيق الصناعي، إذ إن الأدوات التي تُصمَّم اعتمادًا على الديناميكا الضوئية ستصبح أكثر بساطة وكفاءة في آنٍ واحد.
عندما تتحول الفوضى إلى نظام
العالم غير الخطي في الفوتونات طالما اعتُبر غامضًا وصعب التنبؤ به، لكن فريق جامعة جنوب كاليفورنيا رأى في هذه الفوضى فرصة. فكما تسعى الغازات إلى توازن حراري عبر تصادم جزيئاتها، تتخذ أشعة الضوء في الجهاز الجديد مسالك تؤدي إلى حالة "توازن بصري". هذا السلوك يحاكي قوانين الفيزياء الكلاسيكية لدرجة الحرارة والضغط، لكنه يطبّق على الفوتونات. بهذه الطريقة، تحوّل التجربة الضوء من كائن مشتّت إلى تيار منتظم قادر على توجيه ذاته.
في الختام
يوفر هذا الابتكار رؤية مختلفة كليًّا للتحكم بالضوء. فبدلًا من «إجبار» الفوتونات على السير في اتجاه محدد، يُترك لها المجال لتجد الطريق الأمثل بنفسها استنادًا إلى قوانين الطبيعة. خطوة قد تكون الأولى في مسار طويل نحو أجهزة ضوئية أكثر ذكاءً، وأكثر توافقًا مع الإيقاع المتسارع لعصر البيانات والاتصال الرقمي.









