اليابان تُدهش العالم: فصل الأمونيا من الهواء والماء بدقة جزيئية مذهلة

3 د
طورت جامعة طوكيو تقنية لإنتاج الأمونيا باستخدام ضوء الشمس فقط.
تستخدم التقنية الجديدة محفزات كيميائية من الإيريديوم والموليبدينوم.
يمكن للتقنية تحسين كفاءة إنتاج الأسمدة وتقليل الانبعاثات الكربونية.
تواجه التقنية تحديات في نقلها من المختبر إلى الإنتاج الصناعي.
عند الحديث عن الإنتاج الزراعي وتأمين الغذاء للعالم بأكمله، ربما لا يدرك الكثيرون الدور الحيوي الذي تلعبه مادة الأمونيا، والتي تُعتبر العنصر الأساسي ضمن مكونات الأسمدة الزراعية. ولطالما مثلت عملية إنتاج الأمونيا تحديًا حقيقيًا لشركات الصناعة، نظرًا لاستهلاكها الكبير للطاقة والتلوث البيئي المرافق للأساليب التقليدية مثل طريقة هابر-بوش الشائعة، والتي تساهم وحدها بنسبة تصل إلى 2% من إجمالي الانبعاثات الكربونية.
لكن العلماء في جامعة طوكيو قرروا أن يواجهوا هذا التحدي الكبير بطريقة إبداعية وغير مسبوقة. فقد طور فريق بحث بقيادة البروفيسور يوشياكي نيشيبياشي من قسم الكيمياء التطبيقية في الجامعة، تقنية مبتكرة لإنتاج الأمونيا من الهواء والماء باستعمال ضوء الشمس فقط. هذه الطريقة المبتكرة تحاكي إلى حد كبير عملية البناء الضوئي الاصطناعي، التي تؤديها في الطبيعة كائنات مثل البكتيريا الزرقاء، لامتصاص النيتروجين من الهواء وتثبيته، وإنتاج المواد التي تحتاج إليها النباتات.
وراء هذه القفزة النوعية تكمُن آلية مميزة تعتمد على نوع خاص من المحفزات الكيميائية أو ما يسمى بالـ"كاتاليست"، وهي مواد تُساعد في سرعة التفاعلات الكيميائية دون أن تُستهلك خلالها. في البحث الياباني الجديد، استعان الفريق العلمي بأنواع من هذه المواد المعتمدة بشكل رئيسي على عنصرين نادرين هما الإيريديوم والموليبدينوم، وهو ما سمح بتطوير طريقة عالية الكفاءة تولّد الأمونيا دون الحاجة لاستهلاك طاقة كبيرة أو توليد كميات من الانبعاثات الكربونية.
فعندما يتعرض محفز الإيريديوم لأشعة الشمس، يدخل في حالة نشاط تمكنه من تنشيط مادة كيميائية تعرف بالفوسفين الثالثي التي تعمل بدورها على تفكيك جزيئات المياه وإطلاق البروتونات. بعدها يتدخل محفز الموليبدينوم لتثبيت النيتروجين من الهواء ومزجه مع هذه البروتونات لتكوين جزئيات الأمونيا النهائي بسهولة مفاجئة وفعالية قياسية. بكلماتٍ أبسط، نجح الباحثون في جعل ضوء الشمس والماء والهواء تُنتج الأمونيا بشكل طبيعي ودون منتجات جانبية ضارة، حيث تكون المادة الوحيدة الناتجة عن هذه العملية إلى جانب الأمونيا هي الأكسجين الصافي فقط.
وما يعزز من أهمية هذا الاكتشاف أكثر هو قدرته على التوسع وتطبيقه على نطاق واسع، فقد أظهرت تجارب أولية بالفعل أنه يمكن زيادة حجم الإنتاج لهذه التقنية الجديدة حتى 10 أضعاف مقارنة بالتجارب السابقة. بالطبع، يظل التحدي الأهم هو كيفية نقل هذه التقنية بشكل فعّال واقتصادي من المختبر إلى المصانع الكبرى والمزارع في جميع أنحاء العالم.
وبينما لاتزال هناك عقبات يجب تجاوزها مثل ضبط ظروف التفاعل والتأكد من فعالية التكلفة على نطاق صناعي، إلا أن مستقبل هذه التقنية الواعدة يبدو مشجعًا جدًا. إذا استطاع علماء جامعة طوكيو التغلب على هذه العقبات وتحقيق إنتاج صناعي مستدام للأمونيا، فإن هذا سيقلل من البصمة الكربونية للزراعة بدرجة كبيرة، وقد يُحدث ثورة في صناعة الأسمدة العالمية والمؤثرة بعمق على مستقبل الغذاء.
في الختام، يمكننا أن نرى في استخدام كلمات مثل "إنتاج مستدام" أو "طريقة مبتكرة" أو "ثورة في الصناعة الزراعية"، تعبيرًا أقوى عن الطبيعة الرائدة لهذا الاختراع الياباني. كما قد يكون من النافع لنا كقرّاء، تتبع مدى إمكانية تطبيق هذه التقنية في المستقبل القريب، والآثار المباشرة التي قد تنعكس إيجابيًا على المناخ وعلى توفير مصادر غذائية أكثر استدامة للأجيال المقبلة.