تلسكوب جيمس ويب يرصد الشفق القطبي الغامض على نبتون لأول مرة: ظاهرة مغناطيسية غريبة تتكشف بعد عقود من الغموض

التقط تلسكوب جيمس ويب أول صور مباشرة للشفق القطبي على نبتون، بعد 35 عامًا من الشكوك التي بدأت بمهمة "فوياجر 2".

يُعد جزيء H₃⁺ المكتشف دليلاً قاطعاً على النشاط الشفقي، ويميز نبتون عن بقية الكواكب بفضل حقل مغناطيسي مائل بشكل غير معتاد.

تم رصد الشفق في خطوط عرض غير قطبية بسبب ميل المجال المغناطيسي بمقدار 47 درجة عن محور الدوران.

أظهرت القياسات انخفاضًا حادًا في حرارة الغلاف الجوي العلوي، ما يُفسر غياب الشفق في الملاحظات السابقة ويفتح أبوابًا لأسئلة علمية جديدة.

في كشف علمي مذهل طال انتظاره، تمكن تلسكوب "جيمس ويب" الفضائي التابع لوكالة ناسا من رصد الشفق القطبي على كوكب نبتون للمرة الأولى بشكل مباشر وواضح، كاشفًا عن وهج خفي وأسرار مغناطيسية حيّرت العلماء لعقود. ويُعد هذا الإنجاز خطوة رائدة في فهم طبيعة الكواكب الجليدية العملاقة في النظام الشمسي، خصوصاً أن نبتون، الكوكب الأبعد عن الشمس، لطالما ظل لغزًا عصيًا على الرصد الدقيق.


وهج خفي يتجلى بعد 35 عاماً من الانتظار

تعود أولى الإشارات حول إمكانية وجود شفق قطبي على نبتون إلى عام 1989، خلال مهمة المركبة "فوياجر 2"، إلا أن تلك المؤشرات بقيت غير مؤكدة بسبب محدودية أدوات الرصد آنذاك. لكن في يونيو 2023، باستخدام جهاز "المطياف القريب من الأشعة تحت الحمراء" (NIRSpec) المثبت على تلسكوب ويب، نجح العلماء في تصوير وملاحظة توهجات ضوئية ساطعة تُعَد دليلاً دامغًا على وجود الشفق القطبي في الطبقات العليا من غلاف نبتون الجوي.

صرّح الباحث الرئيسي في الدراسة، هنريك ميلين من جامعة نورثمبريا، قائلاً:


"إن تصوير هذا النشاط الشفقي على نبتون لم يكن ممكنًا إلا بفضل حساسية ويب للأشعة تحت الحمراء. لقد كان مشهدًا مذهلاً... رؤية الشفق بتلك الدقة والوضوح كانت صادمة بالنسبة لي."


شفق لا يُشبه الأرض

تُظهر بيانات تلسكوب ويب بقعاً فيروزيّة اللون ناتجة عن اصطدام الجسيمات المشحونة، القادمة غالباً من الشمس، بغلاف نبتون الجوي، ما يطلق طاقة في هيئة ضوء. لكن المثير في الأمر أن هذه الأضواء لا تظهر عند القطبين كما هو الحال في الأرض، بل في مناطق أقرب إلى خطوط العرض المتوسطة، أي ما يعادل تقريبًا موقع أمريكا الجنوبية على كوكبنا.

وتُعزى هذه الظاهرة إلى الحقل المغناطيسي الغريب لنبتون، والذي تم اكتشافه أيضاً من قبل "فوياجر 2"، إذ يميل هذا الحقل بزاوية 47 درجة عن محور دوران الكوكب، مما يجعل مواقع الشفق غير متوقعة وصعبة الرصد.


جزيء H₃⁺: مفتاح التشفير

رغم أهمية الصور التي التقطها ويب، إلا أن الاكتشاف الأبرز كان رصد انبعاث طيفي واضح من جزيء H₃⁺، وهو شكل مؤين من الهيدروجين يُعد مؤشراً رئيسياً على النشاط الشفقي في الكواكب الغازية العملاقة. وتُعَد هذه المرة الأولى التي يُرصد فيها هذا الجزيء بوضوح على نبتون، بعد أن سبق رصده في المشتري وزحل وأورانوس.

علّقت هايدي هاميل، العالمة المشاركة في مهمة ويب، بالقول:


"لطالما اعتبر H₃⁺ العلامة الحاسمة على الشفق في الكواكب الغازية، ولم يكن بالإمكان تأكيد وجوده على نبتون إلا بفضل دقة ويب."


تبريد مفاجئ في الغلاف الجوي

ولم يتوقف الإنجاز عند رصد الضوء فقط، بل امتد ليشمل قياس درجة حرارة الطبقة الأيونية العليا من غلاف نبتون، وذلك لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود. وكانت النتائج مفاجئة: درجة الحرارة في عام 2023 انخفضت إلى ما يقارب نصف ما كانت عليه في 1989.

يقول ميلين:


"شعرت بالذهول... الغلاف الجوي العلوي لنبتون أصبح أبرد بعدة مئات من الدرجات."

وقد يُفسر هذا التبريد الشديد سبب صعوبة رصد الشفق سابقاً، إذ إنه أضعف إشعاعه إلى مستوى يفوق قدرات التلسكوبات القديمة.


بوابة لفهم قلب نبتون المغناطيسي

يمثل هذا الاكتشاف أكثر من مجرد لقطة جميلة من الفضاء؛ إنه مفتاح لفهم أحد أغرب الحقول المغناطيسية في النظام الشمسي. وبفضل قدرة ويب على الرصد بالأشعة تحت الحمراء، يخطط العلماء الآن لمتابعة نبتون عبر دورة شمسية كاملة تمتد لـ11 عامًا، ما قد يتيح دراسة العلاقة بين النشاط الشمسي وتغيرات المجال المغناطيسي لنبتون.

قال لي فليتشر، المؤلف المشارك في الدراسة:


"لقد فتح ويب النافذة أخيرًا على آخر أيونوسفير مخفي بين كواكبنا العملاقة. وهذا الاكتشاف يمهّد الطريق أمام مهمات مستقبلية أكثر دقة إلى أورانوس ونبتون."


إعادة تعريف الحدود الجليدية للنظام الشمسي

مع دخول إحدى آخر أسرار النظام الشمسي المرئية حيّز الكشف، يواصل تلسكوب ويب إعادة صياغة تصوراتنا حول الأطراف الجليدية البعيدة لعالمنا الكوكبي. فبينما كنا نظن أن نبتون بعيد، خامد، وغامض، أظهرت لنا الأشعة تحت الحمراء أن وراء هذا الهدوء ظواهر متقلبة ومثيرة تنتظر من يفك شيفرتها.