قبل 4.43 مليار سنة.. شظايا صخرية تكشف اللحظة التي تجمد فيها القمر!

4 د
تم تحديد زمن تصلب القمر عند 4,43 مليار سنة، متزامنًا مع الفترة التي أصبحت فيها الأرض كوكبًا صالحًا للحياة.
تحليل عنصر اللوتيتيوم في الصخور القمرية مكّن العلماء من تحديد زمن تكوين طبقة "KREEP" بدقة.
قد يكون الاصطدام الهائل الذي أدى إلى نشوء القمر آخر تأثير كبير ساهم في استقرار الأرض.
تساعد المهمات المستقبلية مثل "أرتميس" في تأكيد هذه النتائج وتعميق فهمنا لتاريخ القمر والأرض.
رغم التقدم العلمي الكبير في دراسة القمر، لا يزال العلماء يحاولون كشف أسرار تاريخه المبكر. تشير قياسات جديدة لصخور جُلبت خلال بعثات "أبولو" إلى أن القمر تجمد وتحول إلى كتلة صلبة قبل نحو 4.43 مليار سنة، وهي الفترة التي أصبحت فيها الأرض كوكبًا قابلاً للحياة، نشرت الدراسة في مجلة Universe Today.
قاد الباحث نيكولا دوفافاس من جامعة شيكاغو فريقًا علميًا قام بتحليل نسب العناصر داخل الصخور القمرية، مما وفر نافذة زمنية نادرة إلى العصور الأولى للقمر. وتوضح النتائج أن القمر بدأ ككتلة منصهرة بالكامل، نشأت إثر اصطدام عنيف بين جسمين في بدايات النظام الشمسي.
طبقات القمر الأولية وتكوُّن KREEP
مع تبريد القمر تدريجيًا، تبلورت طبقاته الداخلية، حيث تصلبت نحو 99% من محيطه الصهاري، بينما بقيت نسبة صغيرة عبارة عن سائل فريد يُعرف باسم "KREEP"، وهو مصطلح يرمز إلى وجود البوتاسيوم (K) وعناصر الأرض النادرة (REE) والفوسفور (P).
قام دوفافاس وفريقه بتحليل هذه الطبقة المتبقية ووجدوا أنها تشكلت بعد حوالي 140 مليون سنة من نشوء النظام الشمسي. توجد هذه المادة في الصخور التي جمعتها بعثات "أبولو"، ويأمل العلماء في العثور عليها في العينات القادمة من حوض القطب الجنوبي-أيتكين، وهو الموقع الذي سيستكشفه رواد برنامج "أرتميس" في المستقبل. وإن تأكد وجودها هناك، فسيعني ذلك أن هذه الطبقة موزعة بشكل متجانس عبر سطح القمر.
تحليل عنصر اللوتيتيوم لتحديد زمن التصلب القمري
لفهم متى توقف القمر عن الذوبان، ركّز العلماء على عنصر "اللوتيتيوم"، وهو عنصر نادر ومشع يتحلل بمرور الوقت ليصبح عنصر "الهفنيوم". في بداية النظام الشمسي، احتوت جميع الصخور على كميات متشابهة من اللوتيتيوم، لذا فإن تحليل معدلات تحلله يسمح بتحديد عمر الصخور التي يوجد فيها.
ومع ذلك، عند تحليل الصخور القمرية، وجد الباحثون أن عملية تصلب القمر وتشكيل مستودعات "KREEP" لم تؤدِّ إلى بقاء كميات كبيرة من اللوتيتيوم مقارنة بالصخور الأخرى التي نشأت في نفس الفترة.
لذلك، قارن العلماء نسب اللوتيتيوم والهفنيوم في الصخور القمرية مع نظيراتها من النيازك، ما مكّنهم من حساب توقيت أكثر دقة لتكوّن "KREEP". وباستخدام عينات دقيقة من الصخور القمرية، توصلوا إلى أن هذه الرواسب تشكلت منذ 140 مليون سنة بعد نشأة النظام الشمسي، أي قبل حوالي 4.43 مليار سنة.
يقول دوفافاس:
"استغرقنا سنوات لتطوير هذه التقنيات، لكننا حصلنا أخيرًا على إجابة دقيقة لسؤال ظل موضع جدل طويل".
الاصطدامات الكونية والتغيرات الجيولوجية للقمر
تكشف الدراسة أيضًا أن تبلور محيط الصهارة القمري حدث خلال فترة قصف كوني كثيف، حيث استمرت بقايا الكواكب الأولية والكويكبات الصغيرة في ضرب سطح القمر. يُعتقد أن هذه الأجسام كانت بمثابة "بذور" نشوء الكواكب والأقمار بعد تكوّن الشمس قبل 4.6 مليار سنة. ومن المعروف أن تشكُّل القمر نفسه بدأ بعد حوالي 60 مليون سنة من نشوء النظام الشمسي، نتيجة اصطدام كوكب بحجم المريخ يُدعى "ثيا" بالأرض الفتية، ما أدى إلى قذف مواد منصهرة إلى الفضاء، والتي تجمعت لاحقًا لتشكيل القمر.
يشرح دوفافاس:
"علينا أن نتخيل كرة ضخمة من الحمم المنصهرة تحوم حول الأرض في الفضاء"
وبعد ذلك، بدأت هذه الكرة في التبريد تدريجيًا، مما أدى إلى تكوين طبقات "KREEP" القمرية.
ويُعد تحليل تحلل اللوتيتيوم إلى الهفنيوم في عينات "KREEP" خطوة كبيرة نحو فهم أقدم عصور القمر، حيث ستساعد المزيد من العينات القادمة من حوض القطب الجنوبي-أيتكين في سد الفجوات المتبقية، وتوضيح الخط الزمني لعملية تبريد الصخور القمرية وتشكيل رواسب مثل البازلت البحري (Mare Basalts).
تكونت هذه الرواسب عندما ضربت نيازك سطح القمر، ما تسبب في تدفقات حممية ملأت الفوهات العملاقة. وتشكلت البحار القمرية (Mare) لاحقًا نتيجة لهذه الاصطدامات، بعد حوالي 240 مليون سنة من ولادة النظام الشمسي. أدت تلك الاصطدامات إلى انبعاث تدفقات حممية غمرت أقل من 20% من سطح القمر وغطّت طبقاته الأقدم.
دلالات مهمة حول تاريخ الأرض
لا تكشف هذه الدراسة تاريخ تصلب القمر فحسب، بل تقدم رؤى مهمة حول تطور الأرض أيضًا. فالاصطدام الهائل الذي أدى إلى نشوء القمر ربما كان أيضًا آخر تأثير كارثي ضرب الأرض، وربما يمثل نقطة التحول التي بدأت فيها الأرض رحلتها نحو الاستقرار.
قد يكون هذا الحدث هو اللحظة التي بدأت فيها الأرض في التحول إلى كوكب مستقر، وهي خطوة ضرورية لتهيئتها للحياة. ويقول دوفافاس:
"تتطابق هذه النتائج بشكل رائع مع أدلة أخرى، وهو أمر مثير ونحن نستعد لاكتشافات جديدة من خلال مهمات 'تشانغ إي' الصينية وبرنامج 'أرتميس' الأمريكي".
وأضاف:
"لا يزال لدينا العديد من الأسئلة بانتظار الإجابة".