مركبة فضائية تكتشف كوكبًا ضخمًا جدًا يعادل 12 ضعف كتلة كوكب المشتري

4 د
اكتُشف Gaia-4b الذي يفوق كتلة المشتري بـ12 مرة، على بُعد 244 سنة ضوئية.
كُشف كذلك عن قزمٍ بُنّي باسم Gaia-5b يعادل 21 ضعف كتلة المشتري.
اعتمدت Gaia على تقنية القياس الفلكي لتحديد الكوكب بدقة، ثم أكدته مراصد أرضية.
البيانات منشورة في The Astrophysical Journal، مع وعود باكتشافات أشمل قريباً.
إن التقارير الأخيرة التي أفادت باكتشاف كوكبٍ خارجي جديد يحمل اسم “Gaia-4b” تثير الدهشة حقًا، إذ تبيّن أنه أكبر من كوكب المشتري بنحو 12 مرة. هذا الخبر غرايب ورائع في آنٍ معاً. فقد تحدث سابقاً أحد الفلكيين أن الأنظمة النجمية تزداد تنوعاً وتعقيداً كلما تعمّقنا في البحث والرصد. ويبدو أن Gaia-4b خير دليل على صدق توقعاته.
وفقاً للمصادر العلمية (The Astrophysical Journal)، يتواجد هذا الكوكب المدهش على بعد نحو 244 سنة ضوئية من كوكبنا، وهو يدور حول نجمٍ أصغر من شمسنا بكثير، إذ لا يتجاوز 64% من كتلتها. أما دورته الكاملة فتستغرق 570 يوماً تقريباً، أي ما يقارب عاماً ونصف العام بحساباتنا الأرضية. قد يبدو الأمر عادياً للوهلة الأولى، لكن إذا تخيّلنا كوكباً يفوق ضخامة المشتري وهو يدور حول نجم ذي كتلة متواضعة، فإن هذا المشهد الكوني يأسر الخيال قبل أن يغري الأقمار الصناعية والمراصد الأرضية بملاحقته.
غير أن Gaia-4b لم يكن الوحيد الذي أدهش العلماء؛ ففي الوقت نفسه، كُشف عن جرمٍ آخر يُسمّى Gaia-5b، ينتمي إلى فئة الأجرام المعروفة باسم الأقزام البُنّية. هذه الأجرام غريبة بطبيعتها، لأنها ليست نجماً مكتمل التكوين ولا كوكباً تقليدياً. يدور Gaia-5b حول نجم صغير أيضاً، لا تتعدى كتلته 34% من كتلة الشمس. ورغم هذه الضآلة النجمية، فإن القزم البُنّي نفسه يملك كتلةً تتجاوز المشتري بـ21 مرة، أي أنه قد يكون شديد الضخامة لولا عجزه عن الوصول إلى درجة الاشتعال النووي.
ولعل من أبرز ما يزيد الحماس لهذه القصة أنها أول مرّة يُعلن فيها عن كوكب مؤكد بالاعتماد على القياس الفلكي (Astrometry) لمركبة Gaia وحدها، قبل أن يتم التثبت من نتائجه بواسطة تلسكوبات أرضية مثل WIYN في مرصد كيت بيك الوطني في أريزونا بالولايات المتحدة. وفي حديثٍ مع الباحثين المتابعين للمشروع، لم يخفِ الرجل فخره بالتقنية ذات الدقة العالية التي تُتيحها Gaia، إذ تمكّنت من رصد التأرجح الطفيف للنجم (أو ما يُعرف بالـ"وَبْل" أو الترنّح) حين يجذبه الكوكب الضخم حوله.
إن مركبة Gaia التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، والتي أنهت عمليات الرصد العلمي في 15 يناير الماضي بسبب اقتراب نفاد الوقود، استطاعت في سنوات قليلة أن تزوّدنا بثروة هائلة من البيانات حول مواقع النجوم وحركتها. ومع أن المهمة الرئيسة للمركبة قد انتهت، إلا أن العلماء لا يزالون منهمكين في تحليل ما تركته من معلومات هائلة، على أمل أن تكشف النقاب عن مزيدٍ من الكواكب الخارجية المرشحة للاكتشاف. أحد الباحثين في وكالة الفضاء الأوروبية، ماثيو ستاندينغ (Matthew Standing)، شبه هذه الاكتشافات المتتابعة بأنها “رأس جبل الجليد”، في إشارةٍ إلى أن الجزء الأكبر من المفاجآت سيأتي لاحقاً.
بالنظر إلى الاحصاءات التي أوردتها وكالة ناسا (NASA)، وصل عدد الكواكب الخارجية المؤكدة حتى الآن إلى ما يفوق 5800 كوكب، مع آلاف أخرى لا تزال تحت الدراسة. صحيحٌ أن هذا الرقم يبدو كبيراً، لكنه يظل نقطة ضئيلة في بحر الكون الواسع المترامي الأطراف. ومع انتشار مليارات النجوم في مجرتنا وحدها، لا نستبعد وجود آلاف — وربما ملايين — العوالم العجيبة التي تنتظر من يطرق باب اكتشافها.
بالعودة إلى القزم البُنّي Gaia-5b، فإن تسميته بـ"النجم الفاشل" قد تبدو قاسية بعض الشيء، لكنها في الواقع تعكس حقيقةً علمية مفادها أن هذه الأجسام ليست ضخمة بما يكفي لكي تبدأ تفاعلات الاندماج النووي في قلبها، الأمر الذي يميّز النجوم عمّا سواها. ورغم ذلك، فإن ضخامته الهائلة لا تُقلل من أهميته العلمية، لا سيما حين نفكر في مسألة نشأة النجوم والكواكب، واختلاف طبيعة أنظمتها.
يعد هذا الإعلان رائع للغاية لأني مثل هذه الاكتشافات تضفي أبعاداً جديدة على فهمنا للكون. نحن نعيش في زمنٍ باتت فيه أقصى تخميناتنا وأبعد تصوّراتنا عن إمكانية وجود كواكب عملاقة أو نجوم مستترة قابلة للتحقق. وبينما ننتظر مزيداً من البيانات الموعودة من Gaia، نستعد ربما لدفعةٍ من المفاجآت تفتح لنا أبواب التساؤلات الكبرى عن احتمالات الحياة في أماكن أخرى وأسرار تكوين الكواكب والنجوم على اختلافها.
في ختام المطاف، لا يسعنا إلا أن أتساءل: هل ستحفّز هذه الأخبار الجديدة مزيداً من الاهتمام الشعبي والعلمي بالفضاء؟ أم أننا سنكتفي بالدهشة العابرة ونعود سريعاً إلى روتيننا اليومي؟