ذكاء اصطناعي

وداعًا Ghost… أنثى الأخطبوط تقضي أيامها الأخيرة في رعاية بيض لن يفقس

محمد كمال
محمد كمال

3 د

الأخطبوط "غوست" في كاليفورنيا يعيش أيامه الأخيرة برعاية بيوض دون أمل فقسها.

تدخل مرحلة "الشيخوخة الحيوية"، وهي نقطة طبيعية في دورة حياة الأخطبوطات.

تعتني بالبيوض رغم عدم وجود ذكر للتزاوج، وتفانيها يبرز أهمية الرفق بالحيوان.

"غوست" تصبح رمزًا للرعاية البيئية وارتباط الإنسان بالطبيعة البحرية.

حمايتها تلقى الضوء على التحديات البيئية والتغير المناخي وجهود الحفاظ على الكائنات البحرية.

وسط مشاعر الحزن والمواساة، يعيش زوار حوض أسماك المحيط الهادئ في لونغ بيتش بكاليفورنيا هذه الأيام ساعات مؤثرة، مع اقتراب وداعهم لأحد أكثر المخلوقات البحرية شعبية: الأخطبوط العملاق المعروف باسم "غوست". هذه الأنثى الرقيقة، التي خطفت قلوب كثيرين خلال العام الذي قضته في الحوض، دخلت مرحلة نهاية الحياة وستقضي أيامها الأخيرة متفرغة لرعاية آلاف البيوض التي لن تفقس أبدًا.

يُعتبر هذا الفصل الأخير – أو ما يسمى "الشيخوخة الحيوية" عند الأخطبوط – جزءًا طبيعيًا من دورة حياته. بالنسبة للإناث مثل غوست، تبدأ هذه المرحلة بعد وضع البيض، حيث تلتزم الأم بحراسة عناقيد البيوض على مدار شهور، حتى وإن لم تكن مخصبة بسبب انعدام وجود ذكر مناسب. وفي حالة غوست، فقد وضعت هذه البيوض الواهنة بعد أن عاشت وحدها دون شريك، وهو أمر شائع في أوساط الأخطبوطات البرية والمستأنسة على حد سواء.

ونظرًا لهذه الطبيعة البيولوجية الفريدة، فإن رعاية البيض تغدو أولوية مطلقة للأم، حتى لو كان ذلك على حساب نفسها وحاجاتها الأساسية مثل التغذية والحركة. وهنا، يظهر مدى تعلق العلماء والعاملين بغوست، إذ عبّر نائب رئيس العناية بالحيوانات نيت جاروس عن أسفه بتأثر: "رغم أن هذه المرحلة طبيعية في حياة الأخطبوط، إلا أنها تظل لحظة حزينة لنا جميعاً، خصوصاً لمن ارتبطوا بغوست لفترة طويلة". وهذا يعكس الروابط الإنسانية التي تتكون أحيانًا بين البشر والكائنات البحرية الفريدة.


تأملات في حياة الأخطبوط العملاق

ما يميز الأخطبوط العملاق – والذي يحمل اسم "المحيط الهادئ" أيضاً – هو نهايته التي تتزامن مع دورة التكاثر، ففي البرية تبحث الأنثى عن ذكر ضخم للتزاوج في ختام عمرها. ويمكن للأنثى أن تضع عشرات الآلاف من البيض دفعة واحدة، وتظل، سواء كانت البيوض مخصبة أم لا، مخلصة بمهمتها، تنظفها من الفطريات والبكتيريا والطحالب، ولا تبرح مكانها إلا لإنجاز هذه المهمة الأمومية رغم تعرضها لمشاكل صحية مثل ضمور الجلد ومشاكل الحركة وظهور بقع بيضاء غير قابلة للشفاء.

ومن هنا، تدفعنا قصة غوست للتذكير بقضية الرفق بالحيوان وأخلاقيات تربية الأنواع البحرية في البيئات الاصطناعية. فكثيرًا ما يمتنع فريق الأكواريوم عن جمع الذكور بالإناث، في محاولة لتفادي العدائية أو حتى الأذى بين أفراد النوع الواحد، مما يدفع الإناث كمثل غوست لتعيش تجربة الأم الغريزية حتى النهاية دون مكافأة نجاح الإنجاب.

رابط هذه التجربة مع الجهود البيئية أعمق مما نتخيّل. فالأخطبوط العملاق يعد رمزًا مهما للنظم البيئية البحرية الممتدة من سواحل كاليفورنيا وحتى آلاسكا، وتلقي قصته الضوء على التحديات التي تواجه الكائنات البحرية في ظل التغير المناخي وتقلص موائلها، بالإضافة للجهود التشريعية المستمرة في كاليفورنيا لحماية هذه المخلوقات ومنع ممارسات مثل مزارع الأخطبوط التجارية.


ما بعد أيام غوست… ذاكرة البحر لا تمحى

ذو صلة

منذ وصول غوست إلى الحوض في مايو 2024، بعد إخضاعها لفحوصات صارمة وضرورية للتأكد من صيدها الأخلاقي والمستدام، نالت عناية فائقة من الخبراء الذين وفّروا لها وجبات بحرية من أعلى جودة، إلى جانب نشاطات ترفيهية بيئية وفحوصات بيطرية متقدمة. طوال هذه الفترة، استطاعت أن تستقطب إعجاب الآلاف وأن تترك "أثراً بثماني أذرع" في قلوب محبيها، حسب وصف تعليقي للفريق المشرف على رعايتها.

وما دمنا نسلط الضوء على قصة غوست اليوم، فإننا نعيد تذكير أنفسنا بقيمة كل كائن في دورة الحياة البحرية، ومدى ارتباط مصائر الكائنات البحرية بحسن إدارتنا للبيئة وعلاقاتنا الإنسانية معها. غوست سترحل، لكنها ستظل رمزًا حيًا لحس المسؤولية والارتباط المؤثر بين الإنسان والطبيعة، ورسالة بليغة عن التضحية والإخلاص للأمومة في عالم البحار.

ذو صلة