سر ذكاء الأخطبوطات ينكشف: الإنسان والأخطبوط يشتركان بسلف مشترك عمره 518 مليون سنة

3 د
تشير دراسة حديثة إلى وجود علاقة تطورية بين الإنسان والأخطبوط منذ 518 مليون سنة.
اكتُشف أن الحمض النووي الريبي الميكروي يلعب دورًا في الذكاء المذهل للأخطبوط.
مرّ الأخطبوط بتوسع ملحوظ في miRNAs، مما ساعده على تطوير دماغ معقد.
تتحدى الدراسة مفهومنا عن الذكاء وتدعو لإعادة النظر في حياة الكائنات البحرية.
هل فكرت يومًا أن الأخطبوط، المخلوق البحري الغامض ذو الأذرع المتعددة، قد يكون لديه شيء مشترك معك ومع جميع البشر؟ قد يبدو الأمر غريباً، لكنه حقيقي وفقًا لآخر الأبحاث العلمية. فدراسة حديثة تشير بقوة إلى وجود رابط تطوري بين الإنسان والأخطبوط، يعود تاريخه إلى حوالي 518 مليون سنة، وهو ما قد يفسر الذكاء الاستثنائي الذي يتمتع به هذا الكائن البحري.
بين البشر والأخطبوط.. أصول مشتركة بعيدة للغاية
في دراسة مثيرة وجديدة من نوعها أجراها العالم نيكولاوس راجوسكي وفريقه في مركز ماكس ديلبروك للطب الجزيئي بألمانيا، توصل الباحثون إلى اكتشاف مذهل حول أسباب الذكاء المميز الذي يظهره الأخطبوط، والذي جعله محط فضول الباحثين وعشاق عالم البحار على حد سواء.
وأشار الباحثون أن سر هذا الذكاء يكمن في نوع خاص من الجزيئات البيولوجية الصغيرة التي تُسمى "الحمض النووي الريبي الميكروي" أو microRNAs (miRNAs). وقد تبدو هذه المصطلحات العلمية غريبة للوهلة الأولى، لذلك دعنا نبسّط الأمر قليلاً. باختصار، هذه الجزيئات الصغيرة تتحكم في آلية عمل الجينات، بمعنى أنها تحدد متى وكيف يتم استخدام جينات معينة في الجسم، مما يؤثر بشكل كبير على التطور والوظائف الحيوية المختلفة للأنسجة، ومنها بالطبع الدماغ.
قفزة تطورية تفسر الذكاء الاستثنائي للأخطبوط
الباحثون لاحظوا أن الأخطبوط وغيره من رأسيات الأرجل (مثل الحبار)، شهدوا توسعًا هائلًا في هذه الجزيئات miRNAs. هذا التوسع لم يكن مجرد صدفة، بل مثّل قفزة تطورية ملحوظة ساعدتهم على تطوير أدمغة معقدة ومتقدمة للغاية. هذه الجزيئات مكّنت دماغ الأخطبوط من إنتاج عدد أكبر وتنوع أغنى من الخلايا العصبية، ما أتاح لهذا الحيوان البحري امتلاك قدرات رائعة على التعلم والذاكرة وحل المشكلات، وحتى استخدام الأدوات.
الغريب والمثير في هذا الاكتشاف، أن دماغ الأخطبوط والبشر أخذ كل منهما طريقًا تطوريًا مختلفًا للغاية، ورغم ذلك ظهر لديهما نمط مماثل من التعقيد المعرفي. إن التشابه في آلية تطور الدماغ بين الإنسان، الذي ينتمي إلى فصيلة الفقاريات، والأخطبوط، الذي ينتمي إلى اللافقاريات، يُعرَف في عالم البيولوجيا التطورية بما يسمى "التطور التقاربي". وهذا يعني ببساطة أن الطبيعة قد تتبع آليات واستراتيجيات متشابهة لبناء ميزات معينة في كائنات مختلفة تمامًا من ناحية الشكل والتكوين.
عالم جديد من التساؤلات
هذا الاكتشاف لا يقدم فقط تفسيرًا جديدًا للذكاء المدهش للأخطبوط، بل يطرح أسئلة عميقة حول الطرق التي تنشأ بها القدرات العقلية المتقدمة في الطبيعة بشكل عام. فعلى الرغم من أن أسلافنا المشتركة مع هذه الكائنات عاشت قبل حوالي نصف مليار سنة، إلا أن الانفصال اللاحق بيننا كان عميقًا جدًا في مسارات التطور. ومع ذلك، قررت الطبيعة فيما يبدو أن تستخدم نفس الأدوات الوراثية، أو استراتيجيات جزيئية متشابهة، لتؤسس عقولاً متطورة وذكاء يدهشنا ويثير تساؤلاتنا وحيرتنا.
ومن هنا، تكمن أهمية هذا البحث في كونه يفتح أمامنا طريقة جديدة تمامًا للنظر إلى عالم الكائنات الحية وتعقيدات أدمغتها، ومدى قدرة الحياة على اكتشاف سبل عديدة للوصول إلى ذكاء يتيح لها التأقلم والبقاء في بيئات وظروف متغيرة.
رؤية مختلفة للحياة الذكية
إن التفكير في وجود ذكاء معقد في مخلوق بحري يختلف عنا بهذه الصورة الجذرية، يدفعنا لتوسيع آفاقنا وتغيير نظرتنا لما يعنيه أن تكون الحياة "ذكية". كما تدعونا هذه النتائج، وربما الضرورة العلمية والتأملية على حد سواء، إلى منح مثل هذه الكائنات مزيدًا من الاحترام والعناية، باعتبارها تشاركنا أجزاء من رحلتنا التطورية، وتعيش معنا على نفس الكوكب، ويحمل كل منها قصة غريبة من التاريخ البيولوجي.
وفي اللحظة التي يزداد وعينا بها بتفرد وذكاء مثل هذه الكائنات البحرية، قد يكون من المناسب أن نتوقف قليلاً لنسأل أنفسنا: إذا كانت الحياة بهذه الثراء والتنوع والتعقيد، أليس من واجبنا أن نحفظ حق الكائنات الأخرى في الوجود والحياة والتعايش بشكل أفضل؟