ذكاء اصطناعي

AOC: الحاسوب التناظري الذي يتفوق على أقوى المعالجات بأقل طاقة

مجد الشيخ
مجد الشيخ

5 د

الحاسوب البصري التناظري يغير مسار الحوسبة بكفاءة طاقة عالية.

يوفر الجهاز حلول الذكاء الاصطناعي وحل مسائل تحسين بتقنيات بصرية وإلكترونية.

قدرته الفائقة في معالجة الصور والمعاملات المالية تعزز دوره في التطبيقات العملية.

يخطط لتوسيع الاستخدامات بالمستقبل باستخدام تقنيات تصنيع متطورة.

المشروع يفتح آفاق الحوسبة المستدامة بكفاءة الطاقة العالية.

وسط تصاعد الطلبات الرقمية الهائلة على الطاقة في عالم الذكاء الاصطناعي، ظهر اتجاه جديد يقلب الموازين رأساً على عقب: الحاسوب البصري التناظري (AOC). فما هو هذا الجهاز، ولماذا وصفه خبراء التقنية بأنه نقلة نوعية تجمع بين قدرات تسريع الذكاء الاصطناعي وكفاءة حل مسائل التحسين المعقدة بمعدل استهلاك طاقة يقل عشرات المرات عن أقوى معالجات اليوم؟


الحاسوب البصري التناظري: مفهوم جديد في عالم الحوسبة

من المعتاد أن نعتمد في حسابات الذكاء الاصطناعي وحل مسائل التحسين على الرقمنة الكاملة، أي أجهزة الحاسوب الرقمية التي تعتمد على “أصفار” و”واحدات”. لكن هذا النهج بلغ حداً لم يعد فيه قادراً على مواكبة السرعة والكفاءة المطلوبة، خاصة أن تطبيقات مثل تصنيف الصور، استعادة الصور الطبية، ومقاصة المعاملات المالية صارت متعطشة بشكل غير مسبوق للقدرة الحاسوبية والطاقة.

هنا يلعب الحاسوب البصري التناظري دور البطل الذي يُحدث الفارق، إذ يجمع عناصر إلكترونية تناظرية وعدسات بصرية ثلاثية الأبعاد في جهاز واحد، لينجز عمليات الذكاء الاصطناعي وحل مزيج من مسائل التحسين بطريقة متوازية وسريعة، ويخفض الحاجة لتحويل البيانات بين الأنظمة الرقمية والتناظرية بشكل متكرر يلتهم الطاقة.

وبينما ينفرد الحاسوب البصري التناظري بهذه الميزات، تعاني الأجهزة التقليدية — حتى تلك التي تستخدم أساليب مبتكرة كالشبكات العصبية البصرية أو رقائق التسريع الكمومي — من البطء واستهلاك الطاقة الهائل، عدا عن القيود الصارمة فيما يتعلق بتوافق العتاد مع متطلبات البرمجيات المتقدمة.

هذه النقطة تمهد لفهم كيف يتخطى الجهاز التناظري الفجوة بين العتاد وتنوع تطبيقات الذكاء الاصطناعي ومسائل التحسين.


كيف يعمل الجهاز؟ مزيج الضوء والإلكترونيات دون حاجز رقمي

لندخل قليلاً في تفاصيل عمل الجهاز، ولكن دون تعقيد ممل. يستند الحاسوب البصري التناظري إلى فكرة البحث عن “النقاط الثابتة” — وهي حالات تظل مستقرة عند تكرار العمليات الحسابية — سواء في نماذج الذكاء الاصطناعي أو في مسائل التحسين الحسابي. فعوضاً عن المرور بعمليات التحويل الرقمية المكلفة، يستخدم الجهاز نظاماً من المرايا والعدسات التي ترسل إشارات ضوئية (تشبه بشكل مبسط الرشقة الضوئية في الحوسبة البصرية)، ثم تُترجم هذه الإشارات فوراً لإشارات كهربائية تناظرية تُعالج بشكل متزامن وسريع عبر دوائر إلكترونية تناظرية.

كل هذه العمليات تجري في جزء من الثانية وبتكرار يصل لآلاف المرات حتى تستقر حالة النظام وتُلتقط النتيجة النهائية. اللافت هنا أن الأشعة الضوئية تحقق ضرب المصفوفات المتوازي، بينما تتولى الإلكترونيات وظيفة العمليات غير الخطية و”التخميد” الذي يمنع خروج النظام عن السيطرة بسبب الضوضاء الطبيعية (Noise) في الأجهزة التناظرية.

وهذا الأسلوب يخلق منظومة تحتضن محركات الذكاء الاصطناعي الحديثة (من نوع الشبكات العصبية العميقة والنماذج التكرارية) وكذلك خوارزميات التحسين للمتغيرات الثنائية والمستمرة (كما في الأسواق المالية والتصوير الطبي).

واتساقاً مع هذا المفهوم، صُمم الجهاز ليكون قابلاً للتطوير بالاعتماد على مكونات معتادة في الصناعة — مثل مصفوفات الـ LED الدقيقة وكواشف الصور والكريستالات السائلة — ما يفتح الباب لتكرار التجربة على نطاق واسع مستقبلاً.


عندما يتّحد الذكاء الاصطناعي والتحسين الصناعي: تطبيقات عملية واعدة

العجيب في الأمر أن الجهاز لم يبقِ هذه الأفكار نظرية، بل طبقها في أربعة مشاهد حية، جمعت بين تصنيف الصور (مثل صور الأرقام المكتوبة يدوياً)، وتحليل صور الرنين المغناطيسي للدماغ، وإنجاز معاملات مالية ضخمة بسرعة قياسية، وبناء نماذج رياضية معقدة للتوقع والانحدار غير الخطي.

وما يجعل هذه التجارب استثنائية أن الجهاز استطاع تطبيق النماذج التكرارية لتعلم الآلة — التي عُرفت عادة بأنها ثقيلة العبء على الأجهزة الرقمية — بكفاءة منقطعة النظير. كذلك تمكن من حل مسائل تحسين تجمع بين متغيرات مستمرة وثنائية (عالميا يرمز لها QUMO)، وهي من أصعب المشاكل في علم الخوارزميات، ووجد لها حلولاً تفوقت في بعض الحالات على أفضل البرمجيات التجارية.

استمراراً في هذا السباق التقني، اختبر الباحثون قابلية التوسع بقياس أداء محاكاة رقمية “توأم رقمي” للجهاز المبتكر، فحقق كفاءة تخطت وحدات معالجة الرسوميات (GPU) الأحدث بأكثر من مئة مرة فيما يخص عدد العمليات في الثانية مقابل كل واط من استهلاك الطاقة.

هذه الإنجازات تفتح الطريق لتخيل استخدامات ضخمة في قطاعات الطب والصحة، الخدمات المصرفية، وحتى تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تتطلب قدرات حسابية يصعب تحقيقها حالياً إلا في مراكز ضخمة تستهلك كماً هائلاً من الطاقة.


جهاز المستقبل: مرن وقابل للتطوير وكفاءة طاقة مذهلة

لكن السؤال الذي قد يخطر ببالك: هل يمكن لهذا الحاسوب البصري التناظري أن يحل مكان الحواسيب العملاقة في المهام اليومية؟ الإجابة ليست بنعم أو لا بشكل قطعي بعد، لكنها تسير في اتجاه واعد للغاية.

فالباحثون يُخططون لتجميع مئات أو آلاف الوحدات التحليلية الضوئية — كل وحدة قادرة على معالجة ملايين الأوزان أو المتغيرات — في منصة واحدة بحجم صغير نسبياً. هذه الوحدات تتصل عبر شبكة ضوئية ثلاثية الأبعاد تدير العمليات بشكل متزامن، مما سيتيح للجهاز معالجة تطبيقات الذكاء الاصطناعي العملاقة أو الصور الطبية عالية الدقة بمرونة غير مسبوقة.

العنصر الحاسم هنا أن الجهاز المبتكر يستهدف كفاءة طاقة تصل إلى 500 تيرا عملية في الثانية لكل واط طاقة — قفزة هائلة مقارنة بحواسيب الرسوميات الحالية التي توفر بضع تيرابايت لكل واط. التكامل بين البصريات الإلكترونية والتناظرية يمكن أن يُحدث تغييرات جذرية في صناعة الحوسبة إذا جرى تطويره وإنتاجه تجاريًا، خاصة بالاعتماد على تقنيات التصنيع القائمة حالياً للدوائر الضوئية والإلكترونية.

وهذا يربط بين طموحات الشركات الكبرى في الذكاء الاصطناعي اليوم والحاجة الماسة لتوفير استهلاك الطاقة في عصر “الذكاء الاصطناعي المستدام”.


آفاق المستقبل

ذو صلة

ختاماً، يُمكن القول إن الحاسوب البصري التناظري يمثل رؤية جديدة وجريئة لما يمكن أن تكون عليه الحوسبة العصبية وحلول مسائل التحسين الصناعية في السنوات القادمة. الجمع بين الخفة في استهلاك الطاقة، التخصص في معالجة المهام التكرارية الكثيفة، والقدرة على تسريع أصعب المسائل الرياضية والمنطقية يمنح هذا الابتكار موقع الصدارة في السباق نحو الحوسبة المستدامة.

كلما نضجت أجهزة الحوسبة البصرية التناظرية — ومع الانتقال من محاكاة المختبر إلى المصانع وأسواق التكنولوجيا — سيزداد وضوح أثرها في تقليص زمن انتظار العمليات، وتخفيض تكاليف الطاقة، والإسهام في تحويل خيال الذكاء الاصطناعي العملاق إلى واقع ملموس في خدمة الصناعة والمجتمع.

ذو صلة