الأرض تكتب سيناريو جديدًا… يبدأ بالاحتباس وينتهي بالتجمد

3 د
تشير دراسة من جامعة كاليفورنيا إلى احتمالية تسبب الاحترار الحالي بعصر جليدي جديد.
تلعب التجوية الصخرية دورًا في توازن الكربون، وتساهم في تبريد الأرض تدريجيًا.
زيادة ارتفاع حرارة الأرض يمكن أن يؤدي إلى نقل مغذيات للمحيطات، مما يُكثِّف امتصاص الكربون.
تحذر الدراسة من تسريع التغيرات المناخية بفعل الأنشطة البشرية وزيادة انبعاثات الكربون.
التحديات المناخية الحالية تستدعي إجراءات عاجلة لمواجهة التأثيرات الملحة للاحتباس الحراري.
هل يمكن أن يكون الاحتباس الحراري الذي نعيشه اليوم هو المقدمة لعصر جليدي مقبل؟ دراسة جديدة من جامعة كاليفورنيا ريفرسايد تثير هذه الفرضية المثيرة، مستندة إلى آليات طبيعية عميقة تتحكم في مناخ الأرض على مدى ملايين السنين.
منذ بدايات التاريخ الجيولوجي، تميز مناخ الأرض بتقلبات حادة بين فترات شديدة الدفء وأخرى غارقة في الجليد. هذه التبدلات كانت مرتبطة بتوازن الكربون في الغلاف الجوي والمحيطات، حيث تلعب عمليات **تجوية الصخور** دور “الترموستات” الطبيعي، فالمطر حين يتفاعل مع صخور غنية بالسيليكات يمتص ثاني أكسيد الكربون، ويسجنه لاحقاً في المحيطات والرواسب الحجرية. هذه العملية، المعروفة باسم “حلقة التغذية الصخرية”، تسمح بتبريد الكوكب تدريجياً. ومع أنّها تبدو آمنة، إلا أن العلماء يؤكدون أن هذا التوازن ليس مستقراً دائماً.
وهنا يبرز دور المحيطات في قلب المعادلة، إذ تشير الدراسة إلى أنّ سخونة الأرض تؤدي إلى جرف مزيد من المغذيات كالفسفور إلى البحار، مما يغذّي العوالق النباتية التي تمتص الكربون بكثافة. وعندما تموت هذه الكائنات الدقيقة وتهبط إلى قاع البحر، تُدفن معها كميات هائلة من الكربون لمدد طويلة جداً. غير أنّ المشكلة تبدأ حين ترتفع حرارة المياه أكثر، فيتراجع الأكسجين البحري وتتحول الدورة إلى دائرة متسارعة: الفسفور يُعاد تدويره باستمرار، والعوالق تنمو أكثر، والكربون يُسحب بوتيرة مفرطة، ما قد يتسبب بانزلاق المناخ نحو تبريد حاد يتخطى ما عرفناه سابقاً. وهذا يوضح كيف يرتبط الخلل في النظام البحري بفرصة نشوء عصر جليدي جديد.
الكربون، المحرك الخفي للتقلبات
الباحث **آندي ريدجويل**، أحد المشاركين في الدراسة، يشرح أنّ ارتفاع الحرارة يزيد من تجوية الصخور وبالتالي من امتصاص الكربون، وهو ما يصحح المناخ عادة. لكن هذا "المنظّم الطبيعي" قد يندفع أبعد من اللازم، فيحوّل مسار التوازن إلى تبريد قوي قد يقود إلى ظروف جليدية. ويشير العلماء إلى أنّ هذه الآليات اعتادت العمل على مدى آلاف أو ملايين السنين، لكن النشاط البشري اليوم، عبر **حرق الوقود الأحفوري** وزيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، يضغط النظام البيئي بوتيرة أسرع بكثير مما شهدته الأرض سابقاً. وهذا يربط بين التفسيرات العلمية لآليات الطبيعة وبين أثر الإنسان المباشر على المناخ.
ومن زاوية أبعد، يلفت ريدجويل إلى أن التساؤل حول ما إذا سيبدأ العصر الجليدي المقبل بعد خمسين ألفاً أو مئتي ألف عام قد لا يكون هو صلب النقاش؛ فالمسألة الأكثر إلحاحاً، كما يقول، هي القدرة على مواجهة واقع **الاحتباس الحراري الحالي** وتداعياته الماثلة أمامنا. وهذا يربط بين فهم المستقبل البعيد والحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات عاجلة في حاضرنا.
في المحصلة، تخبرنا هذه النتائج أنّ الأرض قد تبرد في النهاية بفعل عملياتها الطبيعية، لكن هذا التبريد لن يحدث بالسرعة الكافية لإنقاذ أجيالنا من التغير المناخي الراهن. إنّ ما يجب التركيز عليه اليوم هو كبح الاحترار المستمر، لا انتظار “التبريد الطبيعي” الذي ربما يأتي بعد عشرات الآلاف من السنين. وهذا يربط بين الواقع العملي والسياسات المناخية التي يسعى العالم لتأسيسها.
الخلاصة
تؤكد الدراسة أن نظام الأرض المناخي، رغم كونه محكوماً بآليات جيولوجية وبحرية دقيقة، ليس مضمون النتائج في ضوء التغيرات السريعة التي تسببها أنشطة البشر. وبين احتمال التدفئة المفرطة والخطر الكامن في تبريد مباغت، تبقى الرسالة الأوضح: على البشرية أن تتحمل مسؤوليتها الآن، لأن توازن الكوكب لم يعد يملك رفاهية الزمن.