ذكاء اصطناعي

الأعضاء البشرية ليست ذكرًا أو أنثى… بل فسيفساء جينية على طيف مشترك

محمد كمال
محمد كمال

3 د

الدراسة تبين أن الأعضاء البشرية تتسم بفسيفساء جينية بين الذكورية والأنثوية.

الأعضاء التناسلية تُظهر فروقًا واضحة بينما بقية الأعضاء على طيف التنوع الجيني.

طور الباحثون مؤشر "التحيز الجنسي" لفهم نشاط الجينات في الأعضاء.

النشاط الجيني يتطور بسرعة مما يحد من دقة النماذج الحيوانية.

التطور يخلق تباينًا مستمرًا في السمات البيولوجية بدلاً من نمط ثابت.

في الوعي العام، غالبًا ما يُختزل مفهوم الجنس في ثنائية بسيطة: ذكر أو أنثى. هذا النموذج المبسط قد يفسر الخلايا الجنسية مثل الحيوانات المنوية أو البويضات، لكنه يصبح شديد التبسيط عندما نتحدث عن بقية أعضاء الجسم. دراسة جديدة أظهرت أن أغلب الأعضاء تتسم بمزيج فسيفسائي من السمات الذكورية والأنثوية، بحيث لا يمكن حصرها ضمن قوالب صارمة.

المثير أن الخصيتين والمبيضين وحدهما يُظهران فروقًا قاطعة، بينما بقية الأنسجة – كالقلب والكبد والدماغ – تتوزع خصائصها على طيف متنوع من النشاط الجيني. وهذا يطرح تصورًا أكثر مرونة لفهمنا للجسم.


فسيفساء الجينات: صورة أكثر تعقيدًا من مجرد ثنائية

أوضحت الدراسة أن الجينات المرتبطة بالجنس تبرز بقوة في الأعضاء التناسلية، لكن في الكبد أو الكلى عند الفئران، والأنسجة الدهنية عند البشر، تبدو الصورة أكثر تعقيدًا. وعلى الجانب الآخر، يكاد الدماغ لا يظهر سوى فروق طفيفة للغاية. وهنا يبرز عنصر التشابه بين الجنسين الذي يدعم فكرة الطيف بدلاً من القالب الجامد.
وهذا يربط بين أنماط النشاط الجيني ورؤية أوسع لمفهوم "الجنس البيولوجي" باعتباره مزيجًا ديناميكيًا.


مؤشر التحيّز الجنسي: أداة جديدة للفهم

لتبسيط هذا التنوع، طور الباحثون ما يسمى بـ “مؤشر التحيّز الجنسي” الذي يلخص نشاط الجينات الذكرية والأنثوية في كل عضو. النتائج كشفت أن بعض قلوب الرجال أكثر “أنثوية” في قراءتها الجينية من قلوب بعض النساء، وأن الفرد الواحد قد يحمل تباينًا داخليًا؛ فالكبد أكثر "ذكورية"، بينما القلب أقرب "للأنثوي".
وبهذا تصبح صورة الجسد أقرب إلى فسيفساء متداخلة لا تلتزم بحدود واضحة. وهذا يربط مباشرة فكرة المؤشر الجديد بضرورة إعادة صياغة تعامل الطب مع الجنس كطيف وليس كفصل قطعي.


تطور سريع وصعوبة النماذج الحيوانية

جانب آخر أضاءته الدراسة مرتبط بسرعة تطور النشاط الجيني المرتبط بالجنس. فالتحولات في هذه الشبكات تحدث بسرعة مدهشة، حتى بين أنواع قريبة مثل فئران انفصلت تطوريًا منذ أقل من مليوني عام. عند مقارنة الإنسان بالفأر، نرى أن القليل فقط من الجينات يحتفظ بوظيفته التفريقية، ما يعني أن النماذج الحيوانية محدودة الفائدة في دراسة الطب الدقيق المراعي للفروقات بين الجنسين.
وهذا يربط بين حدود الدراسات المخبرية والجدل الدائر حول دقة تطبيقاتها على البشر.


صراع تطوري لا ينتهي

أحد التفسيرات التي يعرضها العلماء هو أن هذه الاختلافات تنشأ من خلال إعادة تشكيل شبكات جينية كاملة، لا عبر جين منفرد، وذلك بدفع من الانتقاء الجنسي والصراع المستمر بين مصالح الذكور والإناث. هذا الصراع لا يجد تسوية نهائية، بل يولّد موجات جديدة من التباين.
وهذا يربط بين التطور المستمر وصعوبة حصر السمات البيولوجية في قوالب نهائية.


صورة الإنسان: طيف مرن لا ثنائية مغلقة

ذو صلة

عند إسقاط المنهجية على أنسجة البشر، تتضح الفكرة أكثر: الفروق الجينية أقل حدة، والتداخل أوضح مما كان متوقعًا. في النهاية، تؤكد الدراسة أن معظم أنسجة الجسم لا تخضع للتقسيم الجامد، بل ترتسم عليها ملامح طيف متنوع من النشاط الجيني بين الجنسين.

الخلاصة أن الجنس في أجسادنا ليس رقمًا ثنائيًا من 0 أو 1، بل لوحة فسيفسائية واسعة، شكلتها ملايين السنين من التطور، وتتنوع تفاصيلها من شخص لآخر. هذه الصورة الجديدة تدفعنا لإعادة النظر في كيفية فهم الطب، البيولوجيا، بل وحتى الهوية الإنسانية نفسها.

ذو صلة