الذكاء الاصطناعي يُزيح الستار عن حضارات مفقودة منذ 5000 عام

3 د
تمكن الذكاء الاصطناعي من كشف آثار حضارات قديمة عمرها 5000 عام مدفونة تحت الصحارى الكبرى.
ساعدت تقنية الرادار ذي الفتحة التركيبية (SAR) في تحديد مستوطنات قديمة ومسارات تجارية بطرق أكثر دقة من التنقيب التقليدي.
في صحراء دبي، تم اكتشاف بقايا مستوطنات وطرق تجارية تثبت وجود شبكات اقتصادية معقدة في العصور القديمة.
رغم التطور الهائل، يواجه استخدام الذكاء الاصطناعي في علم الآثار تحديات مثل التكلفة العالية، وخطر الاكتشافات الزائفة، وضرورة حماية المواقع التاريخية المكتشفة من السرقة والتخريب.
ي كشف أثري مذهل قد يعيد رسم خارطة التاريخ القديم، نجح الذكاء الاصطناعي في تحديد آثار مدن تجارية ومسارات قديمة ظلت مدفونة تحت رمال الصحارى الكبرى لأكثر من خمسة آلاف عام. هذه الاكتشافات، التي اعتمدت على تقنيات متقدمة من الرادار ذي الفتحة التركيبية (SAR) وتحليل البيانات بالذكاء الاصطناعي، قد تغير بشكل جذري فهمنا للحضارات القديمة وأنماط استيطانها.
تحديات التنقيب في الصحارى القاحلة
ظلت العديد من الصحارى الممتدة عبر العالم تخفي بين كثبانها الرملية دلائل على حضارات ازدهرت قبل آلاف السنين، لكنها لم تكن في متناول علماء الآثار بسبب الظروف البيئية القاسية وصعوبة عمليات التنقيب التقليدية.
من بين أبرز هذه المناطق، صحراء الربع الخالي التي تمتد عبر السعودية، عمان، الإمارات واليمن، بمساحة تتجاوز 600,000 كيلومتر مربع، والصحراء الكبرى التي تعد الأكبر في العالم، حيث تغطي 9 مليون كيلومتر مربع من شمال إفريقيا. أساليب الحفر اليدوي والمسح الجوي التقليدية غالبًا ما تكون غير دقيقة ومكلفة، ما جعل تقنيات الاستشعار عن بعد المدعومة بالذكاء الاصطناعي حلاً مبتكرًا وفعالًا.
كيف يغير الذكاء الاصطناعي علم الآثار؟
تعتمد التكنولوجيا الجديدة على الرادار ذي الفتحة التركيبية (SAR)، وهو نظام متطور قادر على اختراق طبقات الرمال وكشف الهياكل المدفونة التي يتعذر رؤيتها بالتصوير البصري العادي. عند دمجه مع خوارزميات التعلم العميق، يصبح بالإمكان تحليل آلاف الكيلومترات المربعة في غضون ساعات، مما يقلل بشكل كبير الحاجة إلى عمليات التنقيب اليدوية المكلفة.
يُفسر الدكتور لي وي، خبير الاستشعار عن بعد في جامعة سنغافورة الوطنية، أهمية هذا التطور قائلًا:
"لم يعد الأمر يقتصر على العثور على أطلال مبعثرة، بل أصبح بالإمكان إعادة بناء شبكات كاملة من الأنشطة البشرية التي ظلت غير مرئية لقرون."
هذه القدرة على تحليل كميات ضخمة من البيانات في وقت قياسي تجعل الذكاء الاصطناعي أداة أساسية لعلم الآثار الحديث، مما يتيح فهمًا أعمق لأنماط الاستيطان والتجارة في العصور القديمة.
اكتشاف مذهل في صحراء دبي
في واحدة من أهم الإنجازات التي حققتها هذه التقنية، تمكن العلماء من كشف آثار لأنشطة بشرية تعود إلى 5000 عام في صحراء دبي. الاكتشافات تضمنت بقايا مستوطنات ومسارات تجارية كانت تربط بين المراكز التجارية القديمة في شبه الجزيرة العربية، مما يشير إلى وجود شبكة متطورة من العلاقات الاقتصادية بين هذه المجتمعات.
ماريا غونزاليس، عالمة الآثار المتخصصة في حضارات الصحارى، قادت هذا المشروع، وصرّحت بأن هذه النتائج تعيد النظر في الفرضيات السابقة حول أنماط الاستيطان البشري في البيئات الجافة. وأوضحت أن المجتمعات القديمة لم تكن معزولة كما كان يُعتقد، بل كانت مترابطة عبر طرق التجارة البرية التي ساهمت في ازدهارها.
إعادة رسم خريطة التجارة القديمة في الجزيرة العربية
لم تقتصر الإنجازات على كشف المستوطنات فقط، بل ساعد الذكاء الاصطناعي في تتبع مسارات القوافل القديمة التي كانت تربط بين بلاد ما بين النهرين، ووادي السند، وبلاد الشام، ما يثبت أن الحضارات الصحراوية كانت جزءًا لا يتجزأ من شبكة تجارية عالمية.
تشير البيانات المستخلصة إلى أن بعض هذه الطرق كانت قيد الاستخدام لآلاف السنين، متكيفة مع التحولات السياسية والبيئية، ما يؤكد أن الصحارى لم تكن مجرد فراغات معزولة، بل مراكز ديناميكية للحضارات المتقدمة.
التحديات والمخاوف المرتبطة بتوظيف الذكاء الاصطناعي في علم الآثار
ورغم الإنجازات الهائلة التي يحققها الذكاء الاصطناعي في علم الآثار، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تواجه هذه التقنية، منها:
- التكلفة المرتفعة: تشغيل أقمار صناعية مزودة بتقنية SAR وتحليل البيانات يتطلب تمويلًا ضخمًا.
- احتمال الخطأ: أحيانًا، قد تُفسَّر التشكيلات الجيولوجية الطبيعية على أنها آثار بشرية، مما يؤدي إلى اكتشافات خاطئة.
- المخاطر الأخلاقية: الكشف عن مواقع أثرية غير معروفة قد يعرضها للنهب والتخريب، ما يستدعي فرض حماية صارمة عليها.
الدكتور حسين الرشيد، المتخصص في الآثار الشرق أوسطية، يؤكد على ضرورة تحسين دقة الذكاء الاصطناعي لمنع الأخطاء، مع تعزيز التعاون بين علماء الآثار والمؤرخين وخبراء الذكاء الاصطناعي لضمان تفسير دقيق لهذه الاكتشافات بما يتوافق مع السياقات الثقافية والتاريخية.