ذكاء اصطناعي

اندماج الهيدروجين والنيتروجين لأول مرة في التاريخ: إنجاز علمي يحمل آثاراً “كارثية”

اندماج الهيدروجين والنيتروجين لأول مرة في التاريخ: إنجاز علمي يحمل آثاراً "كارثية"
مجد الشيخ
مجد الشيخ

4 د

نجح باحثون من جامعة إلينوي بشيكاغو في تحقيق أول اندماج مباشر بين الهيدروجين والنيتروجين.

تقلل التقنية الجديدة الطاقة اللازمة لاستخراج الهيدروجين بنسبة 600%، باستخدام الطاقة الشمسية والبيوشار.

يسمح التوليف بوساطة الليثيوم بإنتاج أمونيا نظيفة بتكلفة أقل بـ60% مقارنة بالطرق التقليدية.

رغم الفوائد البيئية، يحذر الخبراء من آثار كارثية محتملة إذا لم تتم إدارة مخلفات الإنتاج بعناية.

في خطوة علمية تُعد الأولى من نوعها، نجح باحثون من جامعة إلينوي في شيكاغو (UIC) في تحقيق اندماج مباشر بين الهيدروجين والنيتروجين، فاتحين بذلك آفاقاً جديدة لتحسين إنتاج الأمونيا والوقود الهيدروجيني. ومع أن هذا الابتكار يُبشر بإمكانيات هائلة لإعادة تشكيل قطاعي الطاقة والزراعة، إلا أن نتائجه البيئية المحتملة قد تكون "كارثية" إذا لم تُدار بحذر.


طريقة جديدة لإنتاج الهيدروجين تعتمد على الطاقة الشمسية ومخلفات الزراعة

عمل مهندسو جامعة إلينوي على تطوير تقنية رائدة لاستخراج غاز الهيدروجين من الماء باستخدام الطاقة الشمسية والمخلفات الزراعية. تقوم هذه الطريقة بتقليل الطاقة المطلوبة لاستخراج الهيدروجين من الماء بنسبة مذهلة تصل إلى 600%، مما يفتح الطريق أمام أساليب أكثر استدامة لإنتاج هذا الوقود الحيوي.

تعتمد هذه التقنية على مادة "البيوشار"، وهي مادة غنية بالكربون تُستخلص من المخلفات الزراعية مثل روث الأبقار وقشور قصب السكر. يلعب البيوشار دوراً محورياً في تقليل استهلاك الكهرباء أثناء عملية التحليل الكهربائي للماء، مما يجعل العملية أكثر كفاءة وأقل تكلفة.

الأهم من ذلك أن هذه الطريقة تجمع بين تحسين كفاءة الإنتاج والاعتماد على مصادر طاقة متجددة، مما يعزز من استدامة القطاع الزراعي ويفتح آفاقاً جديدة أمام المزارعين لتوليد احتياجاتهم من الطاقة وتحقيق مصادر دخل إضافية.


الكفاءة والأثر البيئي

أظهرت التجارب أن هذه التقنية قادرة على إنتاج ما يقارب 35% من الهيدروجين من خلال دمج البيوشار مع الطاقة الشمسية. المفاجئ أن العملية تتطلب طاقة كهربائية أقل مما تنتجه بطاريات "AA" الصغيرة.

ولم يغفل الباحثون عن الجانب البيئي؛ حيث تضمنت التقنية أنظمة لاحتجاز غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن العملية، مما يسمح باستخدامه لاحقاً في صناعة المشروبات الغازية وإنتاج المواد الكيميائية لصناعة البلاستيك، بدلاً من إطلاقه في الغلاف الجوي.

هذه النتائج تفتح الباب أمام حلول نظيفة لإنتاج الهيدروجين، تعتمد على طاقة قليلة التكلفة ومخلفات زراعية، مما يدعم أهداف الاستدامة العالمية.


ثورة في إنتاج الأمونيا: نهج جديد بوساطة الليثيوم

إلى جانب الابتكار في إنتاج الهيدروجين، حقق فريق UIC أيضاً تقدماً كبيراً في تصنيع الأمونيا بطريقة أكثر نظافة. عبر تطوير تقنية تعتمد على "التوليف بواسطة الليثيوم"، حيث يتم التفاعل بين غاز النيتروجين وسائل غنية بالهيدروجين باستخدام قطب كهربائي من الليثيوم المشحون.

تتم هذه العملية تحت ظروف حرارية منخفضة ومحيطية، بالمقارنة مع الطرق التقليدية التي تتطلب ضغوطاً ودرجات حرارة مرتفعة. الأهم أن التقنية الجديدة تنتج الأمونيا بتكلفة تبلغ حوالي 450 دولاراً للطن، أي أقل بنسبة 60% من الطرق التقليدية، وفقاً لمتطلبات وزارة الطاقة الأميركية لإنتاج الأمونيا الصناعية.


مستقبل واعد للوقود الهيدروجيني

لا تقتصر فوائد التقنية الجديدة على إنتاج الأمونيا فحسب، بل تمتد أيضاً إلى دعم مستقبل الوقود الهيدروجيني. حيث يمكن استخدام الأمونيا كوسيط لنقل الهيدروجين بشكل أكثر أماناً وكفاءة. وعند وصول الأمونيا إلى وجهتها، يتم تحويلها مرة أخرى إلى هيدروجين لاستخدامه كوقود نظيف.

هذا النهج يساهم في تقليل انبعاثات الكربون المرتبطة بعمليات النقل والتخزين، مما يدعم جهود العالم للتحول نحو مصادر طاقة أكثر استدامة وأقل تأثيراً على البيئة.


تحديات بيئية ومخاطر محتملة

رغم الإمكانيات الواعدة لهذا الإنجاز، إلا أن اندماج الهيدروجين والنيتروجين يحمل معه مخاطر بيئية جسيمة. فعملية إنتاج الأمونيا والهيدروجين النظيفة، رغم محاولات التقاط الكربون، ما تزال تنتج كميات من غاز ثاني أكسيد الكربون الذي قد يُفاقم مشكلات الاحتباس الحراري في حال عدم السيطرة عليه بشكل صارم.

ولذلك، يُحذر الخبراء من أن التوسع في هذه التقنية دون وضع استراتيجيات إدارة بيئية صارمة قد يؤدي إلى آثار كارثية تفوق فوائدها.


تأثيرات اقتصادية واجتماعية متوقعة

تُعد هذه الابتكارات قادرة على زعزعة النظم الصناعية التقليدية لإنتاج الأمونيا والهيدروجين. فمن المتوقع أن تواجه القطاعات القائمة تحديات كبيرة مع تحول الإنتاج نحو تقنيات أنظف وأقل تكلفة، مما قد يؤثر سلباً على العمالة والاستقرار الاقتصادي في بعض المجتمعات.

لذلك، تدعو التقارير إلى إجراء دراسات تقييم الأثر الاجتماعي والاقتصادي قبل اعتماد هذه التقنيات على نطاق واسع، مع تطوير خطط لدعم الفئات المتضررة.

في الوقت ذاته، يتطلب نجاح إنتاج البيوشار ضبط الأسواق والتنظيم الجيد للممارسات الزراعية المستدامة، تجنباً لظهور آثار جانبية غير مرغوب بها.

ذو صلة

ختامًا، لا شك أن إنجاز جامعة إلينوي في تحقيق اندماج الهيدروجين مع النيتروجين يمثل علامة فارقة في مجال الطاقة المستدامة. إلا أن النجاح العلمي وحده لا يكفي؛ فالتحدي الأكبر يكمن الآن في كيفية إدارة الآثار البيئية والاجتماعية المترتبة، وضمان تحقيق توازن دقيق بين الاستفادة من الابتكارات الحديثة والحفاظ على استقرار النظم البيئية والاقتصادية.

فمن دون خطط شاملة ومتكاملة، قد يتحول هذا الإنجاز العظيم إلى عبء ثقيل بدل أن يكون قفزة نحو مستقبل أكثر نظافة واستدامة.

ذو صلة